مرحبا بك في مملكة الورد
صديقكم المهدي عثمان
قصور الساف / تونس
الأحد، 21 نوفمبر 2010
الاثنين، 8 نوفمبر 2010
قصيدة النثر التونسية: أسطرة الشابي و وهم الحداثة
-لما نتحدّث عن الشابي "1909 ـ 1934" إنما نتحدّث عن مرحلة من الشعر التونسي الحديث. وعن مرحلة عدّ النقاد فيها الشابي رائدها الأول، بل رائدها الأوحد. وذهب عديد النقاد والشعراء وحتّى العامة إلى اعتبار الشابي شاعر تونس الأوحد. ولولاه لما كان لتونس شاعر/ رمز، على غرار دول المعمورة، كأن نقول درويش "فلسطين" أو الجواهري "العراق" أو شوقي "مصر.." ولأن تونس لم تنجب شعراء عظام، فإن الشابي هو العظيم، على صغر سنّ تجربته الإبداعية.إن هذا التضخيم والأسطرة "من الأسطورة" على مشروعيته ـ رغم المبالغة المفرطة ـ لا يجعلنا نعتبر الشابي شاعر القديم والحديث والمستقبل، أي شاعر الكلاسيكية بالقوة وشاعر التحديث بالفعل. مما يجعل منه مجدِّدا في شعره وسابق عصره في الفكرة والصورة والشكل. بل عدّه بعضهم كاتب قصيدة نثر.وإن كنتُ ـ وهذا الموقف شاذا ـ أشك عن وعْي في عدّ الشابي مجددا، معتبرا أنه صنيعة الوضع الراهن عصرئذ، وصنيعة بيت شعريّ هو: إذا الشعب يوما أراد الحياة. بل يذهب المنصف الوهايبي إلى اعتبار نبوغ الشابي مردّه "غياب السلطة الشعرية في نظامنا الثقافي الراهن""1".
1 ـ منصف الوهايبي:أبناء قوس قزح( متخير من الشعر التونسي المعاصر)،وزارة الثقافة والسياحة،صنعاء 2004، ص6.
2 ـ حوار مع محمد الغزي: جريدة الجوهرة الفنية التونسية، العدد 25 ـ أفريل 1996.
3 ـ نفس المصدر السابق.
4 ـ نفس المصدر السابق.
5 ـ منصف الوهايبي: نفس المصدر السابق، ص 21.
6 ـ نفس المصدر السابق.
7 ـ لزهر النفطي : الموروث النقدي ونظرية الأدب المعاصرة في قراءة الشعر،جريدة الجوهرة الفنية التونسية، العدد 25 ـ أفريل 1996.
8 ـ نفس المصدر السابق.
9 ـ سوف عبيد: حركات الشعر الجديد بتونس، سلسلة كتاب الحرية، ط1، تونس 2008، ص 32.
10 ـ حوار مع محسن بن حميدة:مجلة المسار، نشرية اتحاد الكتاب التونسيين، العدد 18ـ أكتوبر 1993، ص 77.
11 ـ عز الدين المناصرة : اشكاليات قصيدة النثر،المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2002،ط1 ،ص 24.
12 ـ مصطفى القلعي :لطفي اليوسفي قارئا الشابي، مجلة الحياة الثقافية، إصدارات وزارة الثقافة التونسية، العدد 141 السنة 28/ جانفي 2003، ص 114.
13 ـ بشرى صالح: الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث، المركز الثقافي العربي، بيروت1994، ط 1، ص 82.
14 ـ مصطفى القلعي :لطفي اليوسفي قارئا الشابي، نفس المصدر السابق، ص115 .
15 ـ عمار العوني : النص الغائب في المدونة الشعرية الحديثة، جريدة الصباح التونسية، 7ديسمبر 1999، ص10.
16 ـ نفس المصدر السابق.
17 ـ سوف عبيد: نفس المصدر السابق،ص 87.
18 ـ نفس المصدر السابق: ص 51.
19ـ المهدي عثمان:قصيدة النثر أو القصيدة الخرساء لأحمد عبد المعطي حجازي/ أحكام نقدية من موقع، القدس العربي 12 ديسمبر 2008 سلبي جاهز
20 ـ أحمد عبد المعطي حجازي: قصيدة النثر أو القصيدة الخرساء، إصدارات مجلة دبي الثقافية، نوفمبر 2008، ط1، ص46
ملتقى الكتاب العرب والأفارقة
كان الترحاب بالضيوف والاحتفاء بهم أكثر من المتوقع. بدءا من مطار بنغازي مرورا بنزل تيبستي وصولا إلى كل لحظات وفعاليات الملتقى.
وقد مثل الوفد التونسي الذي تغير آخر لحظة من صلاح الدين الحمادي (رئيس وفد) ومسعودة بو بكر و ساسي حمام باعتبارهما أعضاء و المهدي عثمان كباحث. هذا بعد أن كان من المفروض أن يحضر كل من جميلة الماجري ومحمد البدوي. وقد حضر الوفد التونسي أشغال الندوة الذي افتتحها على التوالي السادة محمد شرف الدين الفيتوري أمين اللجنة الشعبية لجامعة قاريونس والدكتور خليفة أحواس رئيس اللجنة التحضيرية للملتقى ومحمد سلماوي الأمين العام لاتحاد الكتاب العرب.و السيد أتوكي أوكى رئيس اتحاد عموم إفريقيا. ثم كلمة الوفود المشاركة، التي ألقاها نيابة عنها رئيس اتحاد كتاب سلطنة عمان.
وقد انطلقت الجلسات العلمية مع الدكتور علي يعقوب جالو من النيجر، ثم تتالت المداخلات إلى أكثر من ستين بحثا ومداخلة وتعقيبا من تونس والجزائر و موريتانيا ومصر والسودان وكينيا والسنغال وغانا والعراق و المغرب و أوغندا وغامبيا وتشاد وفلسطين والإمارات واليمن وليبيا طبعا.
وقد تمحورت المداخلات حول الإشكاليات التالية:
* المثقف وتعزيز الهوية.
* الثقافة العربية في إفريقيا بين التغريب ورهان التجديد.
* الرؤى الجماهيرية ومستقبل البشرية.
* اللغات الإفريقية وإشكاليات الهوية.
* مستقبل الثقافة العربية الإفريقية في ظل الفضاءات الكبرى.
* أثر الهجرات التاريخية على الثقافة العربية و الافريقية.
* دور المثقف في بناء الكيان الثقافي العربي الافريقي الذي تمحورت مداخلة المهدي عثمان حولها، ببحث حمل عنوان: مفهوم المثقف الجمعي ـ دور المثقف العربي في دعم التلاحم العربي الافريقي.
وتزامنا مع فعاليات هذا الملتقى عقد الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب اجتماعات المكتب الدائم لمناقشة جدول أعماله المقرر. حيث تم الاتفاق على تأسيس اتحاد الكتاب والعرب والأفارقة وبعث جائزة افريقية تمنح للأدب المكتوب بأحد اللغات الافريقية بما فيها العربية.
وكانت تونس ممثلة في اللجنتين التحضيريتين، حيث مثلها الشاعر صلاح الدين الحمادي عضو الهيئة المديرة في هذه الأشغال.
كما ساهم كذلك مساء الأحد 24 أكتوبر في تأثيث أمسية شعرية على هامش الملتقى بنزل تيبستي مكان الإقامة. حيث شارك في الأمسية كل من كريم رضي ( البحرين)و سمير درويش (مصر) و نور الدين الطيبي ( الجزائر) و خالد درويش و تهاني دربي ( ليبيا) و خالد الشايجي( الكويت) و مبارك السالمين(اليمن) و مراد السوداني (فلسطين) وفي اليوم الختامي تم إمضاء اتفاقية تأسيس اتحاد الكتاب العرب والأفارقة. ومشروع بعث جائزة إفريقية تمنح للأدب المكتوب بأحد لغاتها. كما أوصى البيان الختامي بأن تلتئم الدورة القادمة للملتقى العربي الافريقي في شهر سبتمبر 2011 بالجماهيرية الليبية.
هذا وأصدر المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب تقريرا يهم حال الحريات في الوطن العربي، والذي جاء كعامل دفع نحو تحسين وضع الحريات في مجال حرية التعبير والفكر والإبداع، منددا في الوقت ذاته ببعض الممارسات القامعة لحرية الرأي في بعض الدول العربية، منها التحفظ على نشر و توزيع بعض الكتب والرقابة عليها. كذلك حجب أكثر من صحيفة و وسيلة إعلام ومنها الصحف والقنوات التلفزية و الأنترنات.
كما أشار التقرير إلى الحظر المتكرر على حرية التظاهر والاجتماع، دعمه تفشي الوصاية الدينية ومحاكمة النوايا.كما نبه التقرير إلى أن افتقار بعض الدول العربية إلى الجمعيات والهيئات التنظيمية الممثلة للكتاب، من شأنه أن يمثل خطرا على الكتاب والمثقفين.
هذا ولم تقع الإشارة إلا لدولة العراق باعتبار أن واقعها المضطرب يؤثر على واقع الكتاب والأدباء.
وإذ يرفع الاتحاد العام هذا التقرير إلى مثقفي أمته وقادتها، إلا أنه لم يرتق إلى المستوى المأمول في التعامل مع الراهن الثقافي والسياسي. وكان من المفروض أن يشير بالاسم وبالتواريخ لواقع الحريات في الوطن العربي.تجدر الإشارة هنا أن الملتقى تميز بحسن تنظيم وحفاوة وترحاب برهن على الجهد الذي قام به لجنة التنظيم التي تكونت من الرابطة العامة للأدباء والكتاب بالجماهيرية واللجنة الشعبية العامة للثقافة ومركز دراسات وبحوث الكتاب الأخضر وجامعة قاريونس.
الأربعاء، 6 أكتوبر 2010
ديوان صوتي : وصية الوردة
ما يقوله منشق عن قبيلة " إيزولد "
«لدينا خطابات متعددة، ولكنها متعلّقة وليست مفتوحة فيما بينها، وهي خطابات تكفير، وإن جاءت بصيغة مختلفة»* نصر حامد أبو زيد
(1)
هب أنّ الإله كان أنثى وأنّ الملائكة ذكورا... هل تستوي الربّة فوق العرش بعد سبعة أيام؟
أنا قلتُ سبعة أيام، وحال لساني يمخط كلامه في آذان أصحاب النوايا الجالسة قرفصا ... يقول:
ـ لا قدرة للجسد /الجسم الأنثويّ على مشاق الخلق
أحدهم وبدهاء مفرط في الزندقة، قال :
ـ الخلق من صفات الأنثى، كذا الولادة. ألا تقدر الأنثى أن تلد العالم كما تلد طفلها ؟
سؤال /إشكال لا يحتمل الصدق أو الكذب، فهل يوجد رحم يتّسع لكلّ هذا الزخم الماديّ ؟
حين يخطر ببال الواحد مـنا، أن يُخضع آخر لتجربة الغثيان ( وليس الغثيان الوجوديّ ) أو الخجل حدّ التبوّل... فإنه ينجح أحيانا كثيرة.
وهذا ما قصده أحدهم لما لغّ:
ـ هذه الأنثى /الإله، يمكنها أن تلد العالم صغيرا بحجم الكائن البشريّ، فترضعه حتى ينمو ويدرك اكتماله الوجوديّ .
إنّ معانقتنا لهذه المحاولة الإيديولوجيّة السافرة والمشبوهة، يضعنا أمام حقيقة أنّ هذا الكون المتبلّد /الصلد /الغليظ /الحزيز... سيطلّق صفاته هذه. لأنّ الآلهة الأنثى من جبلّتها الليونة والنعومة والذوبان المميت حدّ التشكّل من جديد.
فهل سيوصل «سيزيف» صخرته إلى حيث رنا ؟
وهل يكتب لسدّ «غيلان » اكتمالا ؟
وهل تحوّل « ميدوزا » ضحاياها إلى ورد بعد أن كانوا حجرا ؟
(2)
لما يخطر ببال منشقّ عـن القبيلة أن يشـقى بالسـؤال التالي:
ـ هل يحتمل الإله تحزبا /انتماء؟
إنّ مـا تجيزه الشرائع للخارجين عـن الشرائع، هوّ مـا تجيزه القبائل للخارجين عن طاعتها.
ـ وماذا تجيز الشرائع للخارجين عنها؟
يحتمل الإشكال متّسعا من الوقت... من الذاكرة... من اللامعنى.
منْ يرتدي جبّة عثمان، يشرّع لنفسه أنْ ينفّذ فيك شرْعه... وأيّ شرع ؟
وهل لا بدّ للشرعيّة أن لا يرتديها الضّعفاء؟
ما تُجيزه الشرائع للخرجين عنها، ما لا يحتمله الضّعفاء:
أنْ تفقد السّلطة ... أنْ لا تمتلكها أصلا... أنْ تكون خارج البوتقة ... أنْ لا يرْضى عنك التنْزيل ... أنْ...
ـ الإيمان لا يحتمله الضّعفاء... وهو قوّة .
ـ الكفر لا يحتمله الضّعفاء... وهو قوّة .
ـ الضعف ما لا يحتمله الضّعفاء ... لكنّه ضعف.
(وما الذي تجيزه القبائل للخارجين عنها ؟)
حين تدقّ أوتاد خيمتكَ، لا بدّ أن يجتثّ الآخرون أوتادهم كيْ ينصبوا خيامهم أمام بوتقة تنفّسكَ .
يحفرون أخدودا كي يصدّوا عنكَ الغزاة/كي يحول الأخدود دون خروجكَ عنهم.
وحين تحاول الانتحار، بأنْ تُلقي بجثّتكَ في الأخدود هناك، يمنعونك /يمنعونك من الخروج عنهم.
ـ الحبّ خروج عن القبيلة ... وهو قوّة.
ـ الجنون خروج عن القبيلة ... وهو قوّة .
ـ الأنثى خروج عن القبيلة ... لكنها قوّة أضعف.
(3)
هل يجوز للأنثى أن تكون إله؟
قال:
ـ « فينيس » كانت إله.
قلتُ:
ـ ليونتها أغمد فيها الخارجون عن الشرائع أظافر كفرهم ففقدتْ«فينيس» شرعيّتها /سلطتها .
أنا أقول :
ـ لا يجوز /يجوز للأنثى أن تكون... وكفى .
ـ وحين يكون الملائكة ذكورا؟
ـ الإله، إله... و الملائكة، ملائكة. و الاختلاف احتمال شرعيّ التشكّل.
قلت ما قلت، وكان الوشاة يسترقون السمع لكفري فدسوا بصاق تحزبهم، لأصلب أو أحرق كالآلهة.
وهذه مشاهد حرقي كما قرروا:
(4)
هل يزعجكم أنْ أكون وحيدا؟ وهل يؤرقكم كلما زدتُ اقترابا ... كلما زدتُ ابتعادا... كلما زدتُ انكسارا؟ربـما...
ها أنني أنْفرد بزندقتي، وفوضى الأشياء في داخلي، وأشرعتي الملقاة قسرا على المواني المورقة في الترْحال ...
ها أنني موحش كانهزام جديد، كثقب التورّط في الهزائم، كطير البجع الطينيّ، يشدّ ريشه للسفرْ. كأنّ البحر ما أسْعفه بنسْيان بوصلة الجهات، و جنون الجرح البشريّ:
«بوصلة لا تشير إلى الجنوب مشبوهة »(1)
ها آنذا ... وما جدواك يــــا آنذا ؟ وأنتَ ... توقّع أيامكَ بالفراشات المُعدّة للاحتراق .
هل يزعجكم أني أحترق؟
شاهدوني ( عفوا ) أدعوكم لعرْض فرجويّ أبطاله «أنا» وشيّ اللحم على مخازيكم . أنا أدرك، أنكم أدركتموني أحترق ... ثمّ ماذا؟ ستذرفون الدمع على فقدان سروال كان يساعدكم على عادة الضحك الدنيء. ستلعنون الأقدار على ذرّ رمادي على عيونكم، وانتصار الاحتراق الصليبيّ على مقاومتي.
ثمّ ماذا....؟
أتمدحونني؟
كما اتفق الذين من قبلكم على تخْصيب النُّصب التذكاريّة بالحناء.
أترثونني؟
والرثاء جبّة « عثمان » لكلّ الذيـن يمارسـون لعبة «بافلوف» مـع الكلب . فهل تستقيم اللعبة مـع القرد «الداروينيّ »؟ ثمّ إنني أدرك أن لا أحد سيهجونني.
قدْ أنجو من احتراق، كان لا بدّ من جمره... وأنتقم ... نعم أنتقم .
أقولها... وليشهد كلّ المجوس، إن كانت النار بردا وسلاما على جسدي.
(5)
فــي ضواحي مدينة القديس الأخير، كنتُ محاطا باحتراق الحطب النفْطيّ، وبالدعوات و بالدمع الممرّغ في طين النفاق. ضجّت النار ... بالتراتيل احتميْتُ، فلم أنجُ من اللهب.
بالقدّيسين ... وبالقساوسة الكرام، فلم يسْلم جسدي .
ناديتُ:« أن أسعفوني »... فلم يسْتجب أحد.
وتنافس التجار على عرض أجزائي البشريّة للبيع ... للحوانيت ... للخزي الوطنيّ... كأنّ صديقي، أتْلف جبهته وباع القصائد للصحف المتناسلة من جهلنا بالمداد... وانطوى .
أمي، شقّتْ ثوبها الوحيد الذي اشترتْه في ذكرى احتراق المخيّم، وضاع صوتها بيْن عَرق الحشود ودمْع ثكالتها، والخبز المرّ في ليالينا لمحاصَرة .
اطمأنوا لحرْقي... ودّعوني بالشهادة، ومضوا غير مأسوف على كبدي.
(6)
ألف عام ظلّت النار تضطرم ... ربّما ظنوا احترقتُ .
تآكل الإسفلت /ولّى... وأوقع الربّ سباتا على العالمين فناموا، قساوسة وكهانا.
ربّما ظنوا احترقتُ ...
وإذ قالت «ايزولد » لجنْدها :
ـ جرّبوه.
وقالوا :
ـ نجهل أنّ المنايا تفيق .
ألف عام ظلّت النار تسْتعر.
أفقْتُ من حَرْقي، لا كفن يسترني، ولا حطب ولا عسس. بحثْتُ عنكم خارج خرائط المدن، فلم أعثرْ على أحد .
(7)
لمّا أدركتُ مقبرة ... كان جسمي موثوقا لقبري، وقد اتهمتُ بالكفر والزندقة وخيانة الحزب وبالوحدة والاغتراب وبالتعب.
.......................
..........................
..... سوسنة أيْنعتْ ......
هوامش:
(*) ايزولد: آلهة الشعراء من خيال الكاتب.
(1) من معنى لنص مظفر النواب: بوصلة لا تشير إلى القدس مشبوهة.
الأحد، 8 أغسطس 2010
المهدي عثمان ينشر بمجلة "سيسرا"
العدد الخامس من مجلة «سيسرا»
عمان ـ الدستورصدر حديثا العدد الخامس من مجلة "سيسرا" ، ضمن إصدارات النادي الأدبي بمنطقة الجوف بالمملكة العربية السعودية لشهر تموز ,2010 في مجال الدراسات والنقد تناول هشام بنشاوي "نًداءُ الشًّعْر" لصلاح بوسريف. وقدم د. سعد عبد القادر العاقب دراسة موسيقية لديوان محمود درويش "أوراق الزيتون". أما د. محمد عبد الرحمن اليونس فقد كتب عن الشاعر العبّاسي ابن الرومي ، إلى جانب دراسات لحافظ مغربي حول التشكيل بالزمكانية في الخطاب القصصي وشعيب حليفي حول فاعلية التخييل في الخطاب القصصي. وتقدم "سيسرا" في عددها الخامس مجموعة من الإبداعات الشعرية لكل من: ملاك الخالدي ، علي جمعة الكعود ، محمد عبد العزيز العتيق ، تركية العمري ، زكية نجم ، سليمان العتيق ، عماد الدين موسى ، المهدي عثمان ، تهاني إبراهيم ، ناديه البوشي ، وحسن الربيح. وتضمن العدد ثلاث حوارات ، أولها مع الكاتب خالد الخميسي ، وجاء الحوار الثاني مع الفنان التشكيلي غازي أنعيم رئيس رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين ، التي يقيم فيها منذ سنين ، وصاحب الحضور القوي في ساحة الفن الفلسطيني خصوصا والعربي عموما ، والذي تعيد أعماله الفنية إلى الذاكرة فلسطين حية بمساجدها و لباسها ودفء أحيائها. أما الحوار الثالث فحوار ترجمه رشيد طلال للروائي المكسيكي "كارلوس فوينتس".كما تقدم مجموعة من الإبداعات القصصية لكل من: ثناء عياش ، عبد الله فهد ، منال محروس ، سارة الأزوري ، عبد الله السفر ، لبنى ياسين ، دعد الناصر ، حسين السباهي ، ومحمد الشقحاء.أما زاوية أقواس فقد جاءت تغطية لمشوار الراحل الكبير الشاعر المصري محمد عفيفي مطر للكاتب والناقد الفلسطيني علي أبو خطاب ، كما خصص رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير المجلة إبراهيم الحميد افتتاحية المجلة للإشارة إلى تجربة الراحل الكبير محمد عفيفي مطر.
الصالون الثقافي
السبت، 12 يونيو 2010
الصالون الثقافي بدار الشباب المهدية
ينظم الصالون الثقافي بدار الشباب المهدية، بالتعاون مع اتحاد الكتاب التونسيين، أمسية ثقافية موسيقية مساء الجمعة 25 جوان 2010 ابتداء من الساعة الرابعة ظهرا.
وذلك وفق البرنامج التالي:
*تكريم: محمد موسى بن عمر و الحبيب كريم
*قراءة في رواية " القرفي " للحوري مبارك
*قراءات شعرية لأعضاء اتحاد الكتاب
*قراءات شعرية للشعراء الشبان
*مصاحبة موسيقية (محمد الناصر بالحاج خليفة)
الدعوة مفتوحة للجميع للحضور و المشاركة وإبداء الرأي
الثلاثاء، 8 يونيو 2010
الغراب أحلامنا العارية
+ ثمّة وَجَع يتدفأ فوق أصابعنا ويُفكر فيما يُضيف لحَرْقنا
+ ثمّة حزْن يَطرق أبْواب أحْلامنا العارية دون أن يفْطن حُـرّاس الفوانيس.
+ ثمّة بَجع نهريّ يغازل قصب الوديان، أين تَرك قميصه يجفّ منْ عَرق السّمكات
+ ثمّة شيء يُغْمض عيون خُطانا...نتعثّرُ...تُـ
سـ
قـ
طـ.....
...أحْلام أصابعنا كأسا فتُجْرح ورْدة.
+ ثمّة....
..............
منْذ مليون شتاء
كانت الوردة دمْعا
أوْ بكاء البجَع النّهريّ
كانت الورْدة حُلم النّملة المرْهق
كانت الورْدة أولى الكلمات .
كان للأشْجار كُهّان ومعبدْ
قطعوا عُصفورة قُرْبان خوف..
فاسْتحالت ورْدة الودْيان ضوْءا
واستحال الشّعْر تُبّانا مُزرْكشْ .
+ زمنئِذ لمْ يكن للغراب مُتّسع منَ الخدْش بما يُواري الرّيش المطعون منْ جناحه
+ زمنئذ لا الشّمسُ اسْتوت على كرُسيّها ..
لا القمر قسّم جُهوده على الجهات ..
[ - هلْ ثمّة جهات ؟
- ننْتظر البوصلة .]
+ السّماء لمْ تُسوّي رداءها نهائيّا، ولمْ تُمشّطْ شَعْرَها المجْنون ضفائر
.. فقطْ.. لمّا نامت الأشْجار تسْتأنسُ بالعواء عارية..
أجْهضتْ موْلودها فكان نجوما
سَجدْنا...
وُلدْنا سُجودا
ولدْنا قفا للمساجدْ
سَجدْنا...
لشمْس الغروب
فكانت معابدْ
هيَ الشّمْسُ ربّ يهبْنا عُـواء المناجلْ
جبال عَبدْنا...جِمال [ رحيل ]
رياح عبَدْنا ...رماح [ قتيل ]
خبايا... خفايا... عدمْ...
ولم يبْتسم.
لنا ربّنا، ربّما كان صخْرا... غرابا..
- غرابا ؟
هي الأرْضُ دون اله مهازلْ
............
وهبْ أنّ طيْرا اله..
متى كان ربّ، وما كان طير ؟
هَبْ أنّ طيرا كان إله، جناحاه منْ طين...
يُصفّقُ ...تسْقط المخْلوقاتُ منْ ريشه .
يُصفّقُ... ينْشرُ الريش على أفْواه الأرْض الجَوعى
يسْتحيلُ أشْجارا خضراء/ زرقاء ...حينا .
................................
البيضة الأولى، تبْتسم لدفء الأغْصان البرّيّة. تخرجُ فراشات يرْغبن في الطّيران
...لكنّ الرّيح !!
يُصفّق الطير ثالثة ... يُولد الرّيحُ من حلْم الفراش .
تَطير الرّغْبة فحْل فَراش مهْجور.
هَبْ أنّ طيرا كان إله، يوزّع اللّون على حُلْم كائناته و....يطيـــرْ
النّملة...حُلم النّملة، أوْسع منْ ثُقْب الأرْض.
...أكْبر من دعوة " دجّال " يرتّبُ الكلَم الأوّل.
ينْتظر عصيّ العمْيان، لينْشُر دعوته و...يسـيــــــــــــرْ .
حُلم النّملة يغوي فراشة باحتضان لونها
على أنّها توزّعُ رائحة عطْرها على السّوْسنات
يـ
سـ
قـ
طـ...
... يسْقطُ فرح منْ أصابع بنيّة السّنْديان .
تتلقّفه عشْبة، لئلاّ تَجْرَح خدّاه...فيبْتسمُ .
في البدء كان الطّير... كان الطّينُ .
" هذا طينك...طينك
قدْ أفْسَق فيه الوعْيُ سنينا "
تبُول السّماء حليبا، لا لون ولا طعْم، برائحة السّمك والأشرعة.
كان الماء...كان الموج ...ويفْتحُ الصّخْرُ فخذيْه على آخرهما .
يسْتقْبلُ دمع السّمكات بشهْوة .
ترْكض البهائمُ والقوائمُ ، وفراء الثّلْج إلى الأطْلسيّ، لئلاّ تحْبل بالنّقْمة.
تتلقّى الصّخْرة سِياط الموج على النّهْد .
...تتلقّى نطفات الماء الخاثر بالقبلات .
تشابكت الصّخْرات بأصابع من كلْس، كيْ تحْبل من الموج .
ولمّا كان المولود صخْرة " ايزولد " * تراجعت النطْفة للعمْق، وأرتفع الغثاءُ .
- دون الصّخْرة ...ماذا يدْفع " ايزولدْ " لعكْس الإنـ
حـ
دا
... ـر ؟
- دون الصّخْرة ما أصابعنا ؟
- دون الصّخْرة ....................................... يبْقى الوهمُ !!
وأصابعنا تلْعقُ عانات الشّموع الموقَدة في الزّوايا .
......................................................
[ هذه الصّخْرة ما أكثر الجهد بها ...ما أكثر حروف الوهْم والتّكْفير ]
مُتْعَب...مُتْعب...مُتْعب...
جُهدنا مُتْعب
مُتْعب جُهدنا
مُتْعب عزْمنا
متعِب كلّ ما يُتْعب الرّغْبة
أو يُواري خُطانا تَعبْ
هلْ أتاكمْ حديث العنبْ ؟؟
.....................................................
ربّما صار طيني تعبْ
* * *
هارب... هـــــــــــــــــــارب
أو هــــــــــــــــــــارب
أو هكذا ينْبُت التّعبُ
يهْربُ منْ ماذا ؟ إلى أين ؟
متى ؟
ثمّ كيف ؟
- يهرب الطّين من التّعب إلى العنب .
- يهرُب الظلّ من أقْدام القصب الرّاسخ في المجْرى .
- يهْرُب المجرى من مجْراه .. من مأواه .. من صُور ستُعلّقُ لاحقا على الخرائط
- يهرب المجرى منْ صُلْبِ " العدنانيين " ...من جيوب " المرابيين " ...
من أكياس " العلويين " المحْمولة كالتّعب على ظهور الفاتحين.
- يهرب المجرى من ....إلى...العبْريين.
أو لا يهرب العبريون !!
* * *
- أوّل الهاربين وآخر الهاربين، المجرى.
- أوّل الفاتحين وآخر الفاتحين، المجرى.
- أوّل القادمين وآخر الفـــــــارّين، المجرى.
- أوّل .....و آخر.....المجرى.......
- ثمّة أشْياء كثيرة تهربُ .
- ثمّة مجْرى يهْرُب من خِصْر قصب الخيزران.
- ثمّة ضحكة تهْرب من أقدام النّخل الحافية .
- ثمّة....
تَهربُ النّيران من الغفران
يَهربُ الغفْران من الأحْبار *
يلغّ الغُفران ذئبا في فم شجرة قُطعتْ نعْشا.
تـ
سـ
قـ
طـ ... الأشْجار على الأشْجار ...
...تنْتفض الأجْنحة
تفرّ السّماء إلى أعلى لـ...نزْداد طـــــــــولا .
تَبتّلْ ...تبتّلْ ... بُتولا
فإنّ السّماء الأُفولَ
وأنّ التّراب البقاء
وطينا يشدّ الجذور
...تَفرّسْ ...
...و حاذرْ ...
ذئاب الهُروب
وسجّلْ بأنّ البقاء الرّسوخ
................
هوَ الملْحُ أرْسخْ...
وأبْقى
أقلّ أُفولا
الجمعة، 28 مايو 2010
قراءة في كتاب"الحداثة والحرية" للحبيب الجنحاني
بقلم: المهدي عثمان
وأنا أتصفّح على عجل كتاب «الحداثة والحريّة» الذي أُعدّ ليتقبّل إجابات الاستاذ الحبيب الجنحاني... إجابات وردتْ نتيجة أسئلة ومطبّات وإحراجات طرحها الصحفي والكاتب ناجي الخشناوي بطريقة التوليد السقراطي. إذن، هو كتاب حواريّ وهو كتاب على صغر حجمه، يجعلك تتساءل باستغراب عن مطابقة ثمنه (7 دينار) لحجمه ذاك، بالمثل لم يتوفر الكتاب على إشارة لعدد النسخ المطبوعة، وهو في اعتقادي سهو لم يحصل مع أيّ كتاب صادر عن دار النشر تلك... هي تفاصيل تجعل القارئ يمنح مصداقية ما للكتاب ولكاتبه ولدار النشر...
جملة اعتراضية طالت اكثر من اللزوم، لأعود مستدركا. قلتُ، وأنا أتصفّح على عجل هذا الكتاب، جالتْ بخاطري فوضى التعريفات والمفاهيم المسقطة والناقصة والمحرّفة، حول «الحداثة» وحول «الحريّة» غير أنّي بعد أكثر من قراءة، اقترحْتُ على ذاتي الممدّدة على الطاولة أنْ أقرأ الكتاب بعنوان مغاير، هوّ عنوان وضعه الصحفي والكاتب ناجي الخشناوي كتقديم للكتاب: «نحو رؤية مدنيّة عربيّة». نعم هذا هو العنوان الحقيقي للكتاب، وأقنعتُ نفسي أنّ خطأ مطبعيّا ما غيّر العنوان فالكمّ الهائل من القضايا التي طرحها الصحفي والكاتب ناجي الخشناوي على محاوره، تجعلها تفْلت وتستعصي على «التقولب»، في خندق «الحداثة والحريّة...» بل امتّدت نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان والسياسات الاستعمارية والعولمة... مرورا بالاستعمار الكولنيالي والديون والتخلّف وحركات التحرّر وصولا للعنف الدوليّ والإرهاب، وإنْ كان طرح إشكالية «الحداثة» في الوقت الراهن، يطرح أكثر من سؤال، عن قدرة هذا المفهوم على «التجلّي» الواضح.
وما عمّق المفارقة، اقتصار الاستاذ الحبيب الجنحاني في حديثه عن الحداثة عن عصر التنوير، وعمّا أنتجه ذلك العصر من «قيم» كونيّة، مهّدت للتدخل الاجنبي وانتهاك سيادة الدول.
بل الأدهى من ذلك أنّ قادة الثورة أنفسهم، تنكّروا لمبادئها التي أعلنوها صائفة 1789 بأن أقصوا الفقراء من الاقتراع الذي حدّد سنة 1791، ولا يحق الانتخاب إلا لمن يدفع الاكثر.. بمعنى الأثرياء وأصحاب الوجاهة.
بالمثل تجاهلت الطبقة السياسية في بريطانيا وضع العبيد الذي تواصل لسنوات أخرى. الى حدود 1848 في فرنسا و1863 بالولايات المتحدة. يعني 74 عاما بعد صائفة الإعلان عن المبادئ الإنسانية تلك. إنّ خوضك غمار الإبحار في القضايا المطروحة، داخل هذا الكتاب، من حيث طريقة طرحها والإجابة عليها، يجعلك أقرب لفهم الراهن العربي وتداعيات سقوطه وهشاشة طبيعته السياسية والاجتماعية. فالمحاور (ناجي الخشناوي) ملمّ إلماما واضحا بالنتاج الفكري للحبيب الجنحاني، وله رؤية نقديّة وعلميّة للراهن العربي، حتّى أنّ القارئ الجادّ ينتبه لقدرة ناجي الخشناوي على طرح أسئلته بطريقة «الفخّ»، كي يجرّ محاوره لحقول ثقافية وسياسية ملغومة أو من الصعب اقتحامها، بما يتوفّر من كمّ نظريّ لم يعد يف بالحاجة.
سياسات التعديل أو الليبرالية الجديدة:
إنّ المتمعّن في القسم المخصّص «للحداثة»، يلتفت للإعجاب الأعمى بقيم الحداثة، بل وكأننا أمام الحبيب الجنحاني وهو يُبرّر للقمع السياسي والعسكري وتدخّل القوى الاستعمارية عبْر الاستعمار التقليدي والحديث.
نفهم قوله: أنّ عصر الأنْوار سمح «بغرْس قيم الحريات العامة، وقيم العقلانيّة والمواطنة وفصل الدين عن السياسة...» ولكن إذا لمْ تتنزّل هذه الحريات والقيم إلى أرض الواقع، فما الداعي لأن ننادي بها، بل الأدهى من ذلك، أنّ الدول الغربية مهد هذه الافكار، هيّ التي تنادي بها وتطالب بترسيخها في خطابها الرسمي الموجه للاستهلاك الداخلي. وتعْمد في الوقت نفسه الى دعم الحكومات العسْكرية والاستبدادية وقمع حركات التحرر وانتهاك سيادة الدول، وحتّى للالتفاف على القرارات الامميّة.
وهذا ما يفسّر ـ تحديدا ـ «ظاهرة الردّة التي تغزو المنطقة العربيّة (...) برفض الآخر والعودة الى نماذج تاريخيّة مرّت عليها قرون عديدة». فالمواطن العربي المطحون بين مطرقة السلطة المتخلّفة والاستبدادية في وطنه، وبين سندان الدول الاستعمارية التي لازالت تضرب بالقوانين الدوليّة عرض الحائط... من حقّه أن يرفض الآخر، ويُدين هذه القيم «التنويريّة» التي لم تحمه من هذا الاسْتبداد المزدوج، وهو ما ذهب إليه ناجي الخشناوي أثناء طرحه للسؤال السادس، وكأنّه كان مقتنعا أنّ الردّة لم تأتي رغبة في القديم وهروبا من التقدّم ولكنها رغبة في البحث عن الأفضل / المغاير.
لن أقول أنّ القديم هوّ الأفضل، ولكنّه الأضمن من وجهة نظر المواطن العادي وبالنسبة للحركات الأصوليّة... طالما أنه (القديم) وضع أقرب للفهم من الحداثة المغلّفة بقيم ضبابيّة المفهوم والتطبيق. وهو ما يعني أنّ الغرب ليس متعددا كما ذهب الى ذلك الاستاذ الحبيب الجنحاني، بل هو واحد، يجمعه نفس الخطّ الليبرالي. خطّ ليبراليّ مُعادي، عبر أهداف التنمية وسياسات التدخّل والاحتلال، وحتّى السكوت عن انتهاكات دول لدول أخرى «ذات سيادة».
«فتطبيق سياسات التعديل (الليبرالية الجديدة) في عدد من بلاد العالم الثالث أسفر عن نتائج غير متوقّعة بعضها عدائيّ...» هكذا صرّح «روبيرتز» و»إيمي هايت» في كتابهما المشترك «من الحداثة إلى العولمة» فكيف يكون الغرب متعدّدا، وهو يدير ظهره للمسائل الحقوقيّة والإنسانية وانتهاك سيادة الدول ضدّ فلسطين والعراق والصومال وأمريكا اللاتينية....
إنّ الحداثة التي لم تفرز شيئا آخر غير التقدّم التكنولوجي، حسب الاستاذ الحبيب الجنحاني... تُساهم في «التعرّف الى سلبيات الظواهر الاجتماعية» كالعنف، غير أنّ هذا «العنف» زاد تطوّرا وانتشارا وحرفيّة، ومرّ لتجارة الجنس والأعضاء البشرية والجريمة المنظّمة وغسل الاموال... ولم يثبت أنّ التكنولوجيا ساهمت في التقليل من هذه الظواهر.
بالمثل لم تسْمح هذه التقنيات «بوضح حدّ للتصفيات العرقيّة والطائفيّة» فأين الحداثة في وضع حدّ للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقضيّة كشمير وحروب إفريقيا جنوب الصحراء ودارفور والصحراء الغربيّة، وحتّى قضيّة الإرهاب التي جاءتْ نتيجة الحداثة، صحيح هيّ نتيجة وضع داخليّ، ولكن انتهاك سيادة الدول والتدخل في شؤونها وعدم القدرة على إيجاد حلّ للصراع العربيّ الاسرائيليّ... من الاسباب الدافعة لانتشار المدّ الأصولي المتطرّف.
إنّ القول أنّ الحداثة تساهم في إيجاد حلّ للصراعات الإثنيّة والطائفيّة، تبرير مردود على صاحبه.
إذن، لا يمكننا التباهي بهذه القيم إلى حدّ الانصهار في الآخر... هذا الآخر / الغربي تعوّد إنتاج «مفاهيم» حسب قياسه ومصالحه ونحن نسْتهلك ونعدّل الواقع على تلك المفاهيم التي من المفروض أن نعدّ لها قياسا على واقعنا على غرار حقوق الانسان والحداثة وما بعد الحداثة والعولمة والارهاب والشرق الاوسط الجديد أو الكبير (لا فرق...) فهل أنتج العرب أيّا من هذه المفاهيم او ساهموا في إنتاجها؟... بالطبع لا... لا... إننا نحتاج الى حداثتنا نحن ومفاهيمنا نحن وثوراتنا نحن.. ولا داعي هنا لتبرير تغيير الواقع العربيّ بواسطة الحوار والاحتجاج فالآخر (السلطة العربيّة) لا يعتبرك مؤهلا لأن تنقده. إنه واقع لا يتغيّر إلا بالثورة... ثورة المواطنين والتقدميين والعمال والمضطهدين والمثقفين... على هذا الواقع المتهرئ.
إنّ التجارب الإنسانيّة وحياة الشعوب الدول، علّمتنا ذلك.
ملاحظات حول العولمة
أود هنا أن أُعلم الأستاذ الحبيب الجنحاني أنّ كتابه «العولمة والفكر العربي المعاصر»، لم يكن مبادرة في هذا المجال مثلما صرّح، ذلك أنّ الموضوع صدرتْ في شأنه عشرات الكتب، نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر:
ما العولمة: حسن حنفي وصادق جلال العظم، سنة 1999 وطبعة ثانية سنة 2002.
تحديات العولمة والتخطيط الاستراتيجي: أحمد سعيد مصطفى ـ 1998.
العولمة والهويّة الثقافية (عشر أطروحات): مركز دراسات الوحدة العربية ـ 1998.
حوار الثقافات وصراعها العولمة والوشائجيّة الجديدة عبد الرزاق عيد ـ 1998.
فخّ العولمة: هانس ـ بيتر مارتين وهارولد شومان ـ ترجمة رمزي زكي ـ 1998.
وعشرات الكتب والدراسات والمقالات الصادرة في الدوريات العربيّة.
هذا بداية وثانيا، أريد أن أسأل الاستاذ الجناحني: هل هناك عولمة من وجهة نظر عربيّة؟ أو إفريقية أو جنوب أمريكية؟ بالطبع لا إذن، هل أن كل هذا الجهد السياسي الاقتصادي هو إنسانيّ بحت، الغرض منه خدمة الانسانيّة؟
لماذا تناسى الاستاذ «تحليل التجارب الحيّة، الاستقلال، وتبعيّة الاطراف للمركز»، خدمة العولمة في دعم هذا الهدف؟
ألا زال الأستاذ الحبيب الجنحاني يرفض أنْ تكون العولمة «غطاء جديدا لأحد أشكال الهيمنة»؟ ألمْ يُعرّف صادق جلال العظم العولمة على أنّها «حقبة التحوّل الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء في ظلّ هيمنة دول المركز وبقيادتها وتحت سيطرتها وفي ظلّ سيادة نظام عالميّ للتبادل غير المتكافئ».
إنّ العولمة ليستْ شيئا آخر غير الامتداد الأفقي للرأسماليّة، لكن بطرق تمكّن من نقل وسائل الإنتاج الى الاطراف، هذه الاطراف التي لازالت تقبع تحت براثن التخلف السياسي والفقر والصراعات الإثنيّة وغيرها... مما يجعلها أحيانا كثيرة غير مؤهلة لفهم الظاهرة، فقضاياها الأهمّ الغذاء والتنمية والفقر والسيدا وحتّى بعض الامراض التي لا يقبل العقل بوجودها في القرن الحادي والعشرين. فهل العولمة لحلّ هذه المشاكل البشرية المتراكمة؟ أم بحثا عن يد عاملة رخيصة ومواد أولية لصالح الشركات المتعدّدة الجنسيات.
لماذا أقصيت الديمقراطية؟
تساءلتْ لما وجدت الكتاب يتوفّر على ثلاثة أقسام: الحداثة والحريّة والديمقراطيّة، ومردّ تساؤلي، لماذا كان عنوان الكتاب «الحداثة والحريّة»، ولم تقع إضافة «الديمقراطية» لعنوان الكتاب؟ خاصة وأنّ مفهوم الديمقراطية أكثر المفاهيم المغيّبة عن الساحة السياسية العربية فلا انتخابات نزيهة ولا أحزاب ولا مجتمع مدني ولا تداول سلمي على السلطة.
فالدول الناشئة، ومنذ حصولها على الاستقلال يحكمها «الحكم العسكري أو نظام الحزب الواحد الشمولي» كما جاء في أحد أسئلة ناجي الخشناوي.
فلماذا أُقصيت الديمقراطية من على غلاف الكتاب؟
هل هي حركة رمزيّة عاكسة لإقصاء الديمقراطية من الساحة السياسيّة العربيّة؟ أم هو سهو غير متعمّد؟ إنّ الشرطية التي أوجدها الحبيب الجنحاني لوجود الحريّة هي الديمقراطية حتّى أنّ التفريق بينها أو إقصاء واحدة، تعدّ محاولة إيديولوجية سافرة ومشبوهة.
فالحريّة الفرية التي يجب أن تفتكّ عبر النضال الوطني... نضال مكونات المجتمع المدني، هيّ التي ستمكّن الفرد من كسب القدرة على أن يطالب بالديمقراطية والتحزّب والانتخاب والتداول على السلطة وحرية التعبير... وهي كلها تصبّ في «ثقافة المقاومة»، أيْ الثقافة التي تمكّن الفرد من أن يكون محصّنا ضدّ الإيديولوجيا الأصوليّة والايديولوجيا الاستعمارية وإيديولوجية الاحزاب الفاشيّة... وبالتالي له القدرة على حماية «الوطن» من التدخل الخارجي بفعل الحصانة الداخلية إنه ترسيخ لمفهوم «السيادة».
مفهوم كنتُ أتمنّى ان يقع التعرض اليه اثناء كل الأسئلة المطروحة وخاصة في القسم المخصص للحداثة. كيف يمكن الحديث عن العولمة والحداثة دون التعريج على مفهوم السيادة بإعتباره مفهوما أعادت السياسة الدولية المحتكرة من طرف الولايات المتحدة الامريكية... أعادتْ طرحه من جديد ذلك انّ هذه الحداثة التي دعّمت المكاسب التكنولوجيّة، دعّمت بالمثل قدرات الدول العظمى على التجسس والتنصّت ومراقبة الحدود والاعتداء على سيادة الدول بكل هذه الطرق... فضلا عن التدخّل العسكري المباشر.
إنّ مرورك على متن كتاب «الحداثة والحريّة»، لا يجعلك تكتفي بالقراءة لأنّ القراءة في مثل هذا العمل هيّ مستوى الدلالة الصفر كما يصرّح بذلك «رولان بارط»، فالكمّ الهائل من القضايا التي عالجها هذا الكتاب، يجعله مرجعا للأفكار القابلة لإعادة البناء عليها وتحليلها، كأننا بالاستاذ الحبيب الجنحاني قصّر في إجابات عديدة، دافعا إيّانا الى البحث و»التفكيك» في الوقت الذي بذل فيه ناجي الخشناوي قصارى جهده لحفر ذاكرة محاوره، بأسئلة مراوغة ومفخّخة، سهّلت على القارئ وضع إصبعه على عديد الإشكاليات السياسيّة والحقوقيّة.
إنّ الحبيب الجنحاني بمؤهلاته المعرفية والبحثيّة، وناجي الخشناوي بثقافته وقربه من الحدث السياسي الحقوقي... تمكّنا من فكّ عديد الشفرات الخاصة بالراهن السياسي العربي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب الحداثة والحريّة: حوار أجراه ناجي الخشناوي مع الاستاذ الحبيب الجنحاني، الشركة التونسيّة للنشر وتنمية فنون الرسم، ط 1، فيفري 2007.
الخميس، 20 مايو 2010
نصوص شعرية
قال البرج الأول :
ـ ما الدوار الذي اعتراني ؟
أ لأنني الأعلى ؟
............
قهقه البرج الثاني كمن فاجأه التبوّل
غير أنّ السقوط أطاح به أيضا
* * *
ما الدوار الذي اعتراهما ؟
هل الشمس أنْشبتْ مخالبها في الارتفاع ؟
( نعرف أنّ الحُرْقة أشدّ ضراوة كلما اقْتربت )
وقيل جهد عرقه أسْود
هل كلما علا بُرج هوى ؟
على قياس: كل شيء إذا ما تمّ...
تمّ البناء .. تمّ البناء .. تمّ ...
ثمّ هــ
ـو
ـى ..
السقوط بناء جديد
أبْصقْ في الأرض
هل ما بصقْتَ بناء جديد ؟
ضجّتْ سراويل برجولة الخصْيان
... أزْبدتْ .. أرْعدتْ ...
قلنْسوّة الحاخام الأكبر
غيّرتْ لونها للتمْويه
الأناجيل أشهرت حروف المدّ
ونقاطا مُفخّخة ضدّ الإرهاب
..................
عصافير كثيرة خضّبتْ سيقانها بالحناء
نمل نشر مؤونته لشمس البيادر
قالت نملة تُغطي وجهها مخافة الاغتيال :
ـ لم تكن شمس قبل سقوط الفضْح
وقالت أخرى نسيتْ أظافرها في سجن كابول:
ـ كل عام سقوط جديد ونحن بخير
حوار التبوّل في الدساتير الدوليّة
ورتّبتْ نوايا يهوديّ تفاصيل أخرى
صورتْ " عشْتار" تزْحف بالفؤوس إلى حائط المبكى
و" الليطاني " عبّأ جيوبه بالبارود
و الصدف النهريّ..
يعضّ بأسنانه نفقا للهيكل الوهْميّ
...........
رتّبتْ نوايا يهوديّ تفاصيل أخرى
غير أنّ القمر المُخاتل
كشف السّحالي تتربّص بفِراخ لا تقْدر على الحُلم
غير أنّ رماد السقوط طال إنارة قبل القصْف
* * *
سقط تمْثال جديد
صوّت الجميع ضدّ الإرهاب
الاثنين، 17 مايو 2010
"ليس الماء وحده جوابا عن العطش" لأدونيس
في " ليسَ الماءُ وحدَه جوابا عن العَطش " لأدونيس
ليس الماء وحده جوابا عن العطش *، مثلما نعرف ـ تماما ـ لأنّ الحياة وحدها ليْست جوابا عن الموت. ألم يقل شاعر ذات عصر جاهليّ:
ليس من مات فاسْتراح بميْت
إنمــا الميّت ميّت الأحيـــــــاء
الموت هنا، هو العطش، أو تحديدا ـ ونحن نقلّب التراكيب ـ العطش هنا هــــو الموت.
الموت بمعناه المادي / البيولوجي، والموت بمعناه الرمزي .
هكذا احتفل أدونيس بالموت في كتابه هذا ونحن نقرأ هذا العمل الرائع الصادر عن مجلّة " دبي الثقافيّة "، إنما نتشيّع لهذا الجهد الثقافي الداعي لرفض مراكمة الموت الثقافي في وطننا العربي .بالمثل ترانا نحفر في هذا العمل الأخير لأدونيس حفرا أركيولوجيا لنتعثّر على عتبات السطور والأفكار والسواد والبياض، على معنى الموت الحاضر حضورا لافتا في " ليْس الماء وحده جوابا على العطش " ... موت حاضر بالمثل في واقعنا العربي السياسي والثقافي، عمد أدونيس إلى رصده وهو يتتبّع أسماء الدول و المدن التي مرّ عليها أو مرّت به : اليمن ـ أغادير ـ الإسكندرية ـ فلسطين ـ قرطبة ـ عمان ...
بهذا يثبت أدونيس أنه شاعر كونيّ يعالج قضايا وجوديّة ـ إنسانية مطلقة ( مثل الموت ) وهو مع ذلك شاعر خصوصيّ ملتصق بالطين :
أقرأ الواقع وأتساءل حائرا
أهو الشجرة
أم الريح التي تداعبها ؟
الواقع ؟ أحلام في ثياب العمل. ص117
ليس الموت وحده يقضم تلابيب المعاني هنا، ولكنه المعنى الأكثر جلاء وانتشارا والأكثر قدرة على أنْ يفتكّ دهشتنا. الآن وهنا في أوطاننا ترانا أقرب لموت آثر أنْ ينبت في تربة أراضينا المالحة، في العراق وفلسطين :
" طاب نومكم في أحضان الشظايا " ص76
وفي أحضان الآلة العسكريّة الهمجيّة في زمن العولمة و" الحداثات " المختلفة والأقطاب أو القطب الأوحد ...
وكانت الحداثة خاتما
يتلألأ في عالم
يتحوّل إلى إصبع إلكترونيّة
في يد نيويورك ص 17
مع ذلك للموت أشكاله الأخرى الرمزيّة و المعرفيّة. موت خيّم على سماء عالمنا العربيّ وشرقنا العربيّ ومدننا و قرانا :
تُرى ألن تعرف سماء العرب كيْف تُظلّل شيئا آخر
لا يُظلل القتل ؟ ص 60
يقتلنا السلاح المسْتورَد والحروب المسْتوردة والحكومات المسْتوردة والأفكار المسْتوردة والقوانين المسْتوردة ... لهذا تبنّى المواطن العربيّ فكرة الموت ومجّدها . حبا في الموت حينا ... نقمة في الحياة أحيانا ... " شهادة " أحيانا أخرى ... انتحارا ... تدميرا ... تمجيدا ...
و مَن أولئك الذين يموتون لا لشيء
إلا لتمجيد الموت ص 34
حتّى صار الموت صناعة في يد الإيديولوجيات المختلفة دينيّة وسياسيّة و ثقافيّة.. وبدا وكأنّ الموت أكسير الحياة أو هو النافذة التي نطلّ منها على مشْهديّة الخلود :
بدا الموت كأنه السحر الذي يفتح الأبواب المغلقة
وبدت الحياة
كأنها غيوم من البكاء ص40
إنه التوادد والسجال بين مفهومين تواجـدا وترافقا وتضادا منـذ الطعام الأول
" الذي هيأته حواء لآدم ".
أدونيس مجّد الموت وأعلاه رغم انتصاره للحياة وللحبّ وللحلم، وهو يقيم منذ الكلمات الأولى في الشعر، وبه يؤسس عالمه الخاص وسماءه الخاصة التي تدثره وتحمي " طيور أفكاره " .... إننا لا نكاد نعرف الأشياء إلا بأضدادها.
أليس بوسعنا الحديث عن القمع والاسْتبداد لما نرنو إلى الحريّة ؟
أليس بوسْعنا الحديث عن الحرب والخراب لما نعرّف السلم ؟
أليس بوسْعنا الحديث عن القبح لما نعرّف الجمال ؟
والعطش أليس جوابا عن الماء ؟
صحيح أنه ليس الجواب الوحيد، لكنه أحد الإجابات الممكنة، مثلما كان الموت هو أحد الأجوبة الممكنة عن الحياة / البقاء:
" ما أشْقى وضوحك أيها الموت " ص 75
ولأنّ أدونيس لم يكن يقيم على أرض هلاميّة وافتراضيّة، بل على أرض
" يحسن رؤية نفسه ويُحْسن معرفتها " لهذا كان أقرب إلى الموت القابع في الشوارع والأزقة والمنعطفات وبين الأجساد. وكيف تتحوّل هذه الأجساد في شوارع بغداد والأحياء الفلسطينيّة إلى خوذات تقرفص على رؤوس العدم / الفناء . ألم يتساءل أدونيس :
لماذا يبدو " الجسم " في الثقافة العربيّة ـ الإسلاميّة مرذولا ؟ ولماذا " يُدمّر " يوميّا باسْتخفاف واحتقار، وعلى نحن منتظم بشكل أو آخر ؟ ص 44
إننا فعلا أمام حالة لتمجيد الموت في عالمنا العربيّ والإسلامي، اسْتطاع أدونيس أنْ يلتقطها بذكاء وحنكة العارف بالسندات . وأثْبت أدونيس ـ وهو لا يحتاج إلى إثبات من شخصي ـ أنه يعوّل على واقعه وفكّ شفراته في تعامله مع اللغة ومع النصّ، وأنه يفنّد زعم من يدّعي أنّ نصوص أدونيس هلاميّة وزئبقيّة ولا إمكانية لتنْزيلها إلى أرض الواقع .
فأدونيس في " ليس الماء وحده جوابا عن العطش "، وضع إصبعه على عالمنا التواق للارتواء والفكاك من حالة العطش التي يعيشها،ولكن عطش ليْس للماء فحسْب ، بل للحياة والحبّ والجمال والحريّة .
" فالنار في كلّ صوْب. أين، إذن، سمنْدَلاتُ الحريّة،
تلك التي تحوّل النار إلى ماء " ص99
الأحد، 16 مايو 2010
أدونيس مرة أخري
المهدي عثمان
- يعرّف أدونيس قصيدة النثر باعتبارها كلمات عادية مشحونة بطاقة غامضة ـ شكل يجري فيه الشعر كتيار كهربائي عبر جمل وتراكيب لا وزن لها ظاهريا، ولا عروض ـ عالم متشابك كثيف مجهول غير واضح المعالم (1) إنّ مثل هذه التعبيرات المراد بها تعريفا أو شرحا أو تفسيرا أو حتي إبداعا (شعرا أو نثرا)... هذه التعبيرات، هي التي ساهمت في جعل قصيدة النثر غامضة ومعتّمة وأقرب للإبهام منها إلي الوضوح. فأنْ يقول أدونيس أنّ قصيدة النثر مشحونة بطاقات غامضة ـ شكل يجري فيه الشعر كتيار كهربائي إنما هي محاولة من أدونيس للهروب من التفسيرات الواضحة لمثل هذا الجنس الكتابي المستعصي. فاللغة هنا تحدّثنا عن غموض في قصيدة النثر بلغة غامضة، وكأنّ ما ينطبق علي تلك الجملة، هو ما ينطبق علي قصيدة النثر. كيف يمكن إذن، مقاربة مفهوم قصيدة النثر عند أدونيس وهذه الأخيرة غارقة في عالم متشابك كثيف مجهول (و) غير واضح المعالم ؟ إذن، كيف نفهم مثل هذا القول؟ هل قياسا علي مقولة بول فاليري لقصائدي المعني الذي يُسْند إليها ؟ فنقول" لمقولاتي المعني الذي يسْند إليها؟وإنْ كان ذلك صحيحا لما يتعلّق بالشعر، باعتباره يسْتدعي ذلك الاختلاف والتنوّع في القراءات، دفاعا عن " أبدية " الشعر وتجدده " فكل قراءة تقويض لقراءة... ولا يحمل هذا التقويض معني الإلغاء والإفناء " (2)بالمثل لا يحمل الوقوف عند فكرة واحدة ومعني واحدا اعترافا أنه ما اصطلح علي تسميته " بجمالية التلقي "، لما نتحدث عن العلاقة بين النص و القارئ. وهذا مفهوم ترجمه سعيد خرو عن كلمةRezeptionsasthetim ... لما يتعلق بالشعر، فإنّ تأويل "النثر " يستدعي الوقوف والتمهل.فهل مقولة أدونيس في تعريفه لقصيدة النثر، أريد بها توضيحا للمفهوم أم إيغالا في التعتيم؟و هل يمكن أنْ نجزم أنّ قولا غير مفهوم ومعتّم وزئبقيّ، هو قول لا يقول شيئا؟بودلير و رامبو و مالارميه أم " أنّ ذلك العالم المتشابك الكثيف المجهول " يمكن أنْ يفكَّك و يٌبْسَطَ ويصير واضحا؟أم أنّ مثل هذا التحوّل الجوهري لعالم قصيدة النثر من شأنه أنْ يُفقدها جوهرها ومعناها الحقيقي أو طبيعتها التي هي ذلك " التشابك " و " الكثافة " و " الغموض "؟فهل هذا ـ إذن ـ ما قصده أدونيس أنّ " علي قصيدة النثر ألاّ تتعارض مع صفات المجانية والغموض والكثافة "؟ (3) وهي نفس الفكرة المأخوذة عن سوزان برنار بل حتّي شعراء من أمثال بودلير و رامبو و مالارميه " أكّدوا مفهوم الغموض في الشعر وكتابة قصيدة النثر " (4) وهذا ما يدعّم فكرة أنّ الإبهام/التعتيم من شأنه أنْ يبتعد بالقصيدة عن الشعور والعواطف، نحو الفكر والفلسفة.فإذا وضعنا علي طاولة التشريح، نصوص نزار قباني ـ مثلا ـ يصعب أنْ نتعثّر علي عتبات قصيدة واحدة معتمة وعقلية أو ذهنية أو " موضوعية " ، بحيث تدفع القارئ للبحث أو لاسْتخدام المعاجم الفقهية والفلسفية والسياسية. وإن كنا باسْتدعائنا لنزار قباني، لا نخلط بين قصيدة النثر والقصيدة الحرة التي يكتبها هذا الشاعر... إلا أنه لما يتعلق بالغموض، يبدو جليا اقتراب قصيدة النثر من هذه الجهة المعتمة نحو الإبهام.فأدونيس يؤكد في نصوصه " ذلك التلازم الدائم (..) بين الشعر والفكر. حتي إنّ أشعاره ليست إجمالا في منأي عن إعمال الفكر "
1ـ عز الدين المناصرة: اشكاليات قصيدة النثر، المؤسسة العربية للدراسات والنشرـ الأردن 2002، ط1، ص 35.
2 ـ عبد الرحمان محمد القعود: الإبهام في شعر الحداثة، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ـ الكويت، مارس 2002، ص 205.
3ـ عز الدين المناصرة، نفس المصدر السابق، ص 29.
4 ـ عز الدين المناصرة، نفس المصدر السابق، ص 30.
4 ـ عبد الرحمان محمد القعود، نفس المصدر السابق، ص 31.
5 ـ نفس المصدر السابق، ص 31 .
6 ـ نفس المصدر السابق، ص 31 .
7 ـ نفس المصدر السابق، ص 32 .
8 ـ أدونيس : زمن الشعر، دار العودة ـ بيروت ، ط3، ص 173 .
9 ـ أحمد عبد المعطي حجازي: قصيدة النثر أو القصيدة الخرساء، صدر عن مجلة دبي الثقافية ـ الإمارات العربية المتحدة، نوفمبر 2008، ط1، ص 37.
10 ـ عبد الرحمان محمد القعود: نفس المصدر السابق، ص 181.
11 ـ أحمد بزون : قصيدة النثر العربية، دار الفكر الجديد ـ بيروت 1996، ط1، ص 96 .
12 ـ أدونيس : تنبأ أيها الأعمى، دار الساقي ـ بيروت 2003، ط 1 .
13 ـ محمد لطفي اليوسفي : في بنية الشعر العربي المعاصر، دار سيراس للنشر ـ تونس 1985، ص 148 .
14 ـ نفس المصدر السابق .
15 ـ جريدة الحياة اللندنية : 01 جانفي 2001 .
16 ـ أحمد عبد المعطي حجازي: نفس المصدر السابق، ص 65 .
17 ـ أحمد بزون : نفس المصدر السابق، ص 62 .
18 ـ جريدة الحياة اللندنية : 01 جانفي 2001 .
19 ـ أحمد بزون : نفس المصدر السابق، ص 25 .
20 ـ سوف عبيد: حركات الشعر الجديد بتونس، إصدارات جريدة الحرية ـ سبتمبر 2008، ط1، ص 83.
21 ـ أحمد بزون : نفس المصدر السابق، ص 25 .
22 ـ مجلة الحياة الثقافية : " حوار مع شربل داغر"ـ ديسمبر 2002، ص 99 .
23 ـ عز الدين المناصرة، نفس المصدر السابق، ص 29.
24 ـ جريدة الحياة اللندنية : 01 جانفي 2001 .
25 ـ أحمد بزون : نفس المصدر السابق، ص 47 .
26 ـ أحمد بزون : نفس المصدر السابق، ص 96 .
السبت، 15 مايو 2010
مجلة " إلــــــى" الهولندية
صدور العدد الأول من مجلة ' إلى' الثقافية
5/15/2010
صدور العدد الأول من مجلة ' إلى' الثقافية لندن ـ ' القدس العربي': عن ' مؤسسة كروس أوفر' للثقافة والفنون صدر العدد الأول (أيار/ مايو 2010) من مجلة ' إلـــــــى'، وهي مجلة إلكترونية تعنى بالفن المعاصر والكتابة ، هدفها النهوض بحوار إبداعي بين الثقافات من خلال ترسيخ لغة مغايرة في الكتابة والنص البصري، وفتح ملفات تفعل مساحات الحوار وتشرع نوافذ للنظر إلى القادم من الأسئلة وتكريس هاجس اللحظة وقياساتها. وتصدر المجلة باللغات العربية والانكليزية والاسبانية والهولندية.يحررها الكاتب والفنان التشكيلي علي رشيد .