مرحبا بك في مملكة الورد

مرحبا بكم في مملكة الورد

صديقكم المهدي عثمان

قصور الساف / تونس



الأحد، 21 نوفمبر 2010

صدور كتاب عاطل عن العشق


صدر عن دار إنانا للنشر ديوان الشاعر المهدي عثمان " عاطل عن العشق" في 95 صفحة من الحجة الصغير

الاثنين، 8 نوفمبر 2010

قصيدة النثر التونسية: أسطرة الشابي و وهم الحداثة



-لما نتحدّث عن الشابي "1909 ـ 1934" إنما نتحدّث عن مرحلة من الشعر التونسي الحديث. وعن مرحلة عدّ النقاد فيها الشابي رائدها الأول، بل رائدها الأوحد. وذهب عديد النقاد والشعراء وحتّى العامة إلى اعتبار الشابي شاعر تونس الأوحد. ولولاه لما كان لتونس شاعر/ رمز، على غرار دول المعمورة، كأن نقول درويش "فلسطين" أو الجواهري "العراق" أو شوقي "مصر.." ولأن تونس لم تنجب شعراء عظام، فإن الشابي هو العظيم، على صغر سنّ تجربته الإبداعية.إن هذا التضخيم والأسطرة "من الأسطورة" على مشروعيته ـ رغم المبالغة المفرطة ـ لا يجعلنا نعتبر الشابي شاعر القديم والحديث والمستقبل، أي شاعر الكلاسيكية بالقوة وشاعر التحديث بالفعل. مما يجعل منه مجدِّدا في شعره وسابق عصره في الفكرة والصورة والشكل. بل عدّه بعضهم كاتب قصيدة نثر.وإن كنتُ ـ وهذا الموقف شاذا ـ أشك عن وعْي في عدّ الشابي مجددا، معتبرا أنه صنيعة الوضع الراهن عصرئذ، وصنيعة بيت شعريّ هو: إذا الشعب يوما أراد الحياة. بل يذهب المنصف الوهايبي إلى اعتبار نبوغ الشابي مردّه "غياب السلطة الشعرية في نظامنا الثقافي الراهن""1".

بمعنى أن الساحة الشعرية العربية مشرقا، كانت زاخرة بأسماء شعرية لافتة في العراق والشام ومصر.. ولم تشهد الساحة المغاربية عموما تراكما في الأسماء الشعرية، رغم أنها شهدت حضورا لافتا لمجالات التاريخ والفلسفة والفقه.إنما تضافرت في هذه الفترة أسباب وملابسات معقّدة، نجملها في غياب "السلطة الشعرية" في نظامنا الرمزي، وربما في ثقافة المغرب العربي قديما وحديثا. فقد عرفت هذه البلاد منظّرين كبارا في شتى المجالات من فقه وفلسفة وتاريخ ونقد أدبي "ابن سحنون، ابن خلدون، ابن رشد، حازم القرطاجني.." دون أن تعرف مبدعين كبارا.ولما تُقارن صورة الشابي بصورة أحمد شوقي مثلا، فإنك لا تجد ما به ترجّح شاعرية الشابي على شوقي، ولا تجد صورا تُعدّ خروجا عن المعجم اللغوي أو المخيالي أو الخيالي المتداول، عدا شذرات يمكن أن يظفر بها كل شاعر.وعلى قياس عودة فقهائنا وعلمائنا للنص القرآني كلما اكتشف الغرب حدثا علميا أو طبيعيا باهرا .. نعود نحن للتراث الأدبي والصوفي وحتى الجاهلي، بحثا عما به نسْتر عوراتنا من فجائية اكتشاف الآخرين. وكأننا بالأخذ عن الحضارات الأخرى علما وتقنية وفنا .. هو ردّة "وفقا للمعجم الفقهي" واقتداء بالغالب على حد تعبير ابن خلدون.ونحن لا نخجل أبدا من التهافت المميت على أشكال الحياة الأخرى من لباس ومأكل ومعمار ونظريات في الاقتصاد والسياسة والفنّ ..والمسألة هنا لا تمسّ الفكر التونسي فحسب، ولكنها تهم كل فكر له عقدة "الهزيمة" و"التآمر" و"تعظيم الآخر".. أو تعظيم الذات.بين هذا وذاك ظل الصراع قائما بين القديم والحديث. قديم يحيل على "أسئلة الوجود الكبرى""2" وحديث ظل في أكثر نماذجه "مجرد لعبة لغويّة""3" كما يزعم أصحاب الرأي الأول من أمثال الشاعر القيرواني محمد الغزي الذي لا زال يرفض قصيدة النثر، بل هو لا يكتبها. ففي اعتقاده"أنّ الطاقة الروحية التي ينطوي عليها شعرنا القديم، لم يتمثلها شعرنا الحديث. لهذا ظل هذا الشعر الحديث في أكثر نماذجه مجرّد لعبة لغويّة لا تحيل على أسئلة الوجود الكبرى""4"ظل الصراع وسيتواصل بين القديم والحديث: بين قديم قام على "صور عفاها البلى""5" وحديث " يتجاذبه طرفا الأبولونية "التوازن والتناسب والتناغم" و الديونيزوسية "المصادفة والعشوائية والغرابة" أو هو يراوح في الفسحة القائمة بينهما، شكلا وصورة ودلالة""6" كما يزعم أصحاب الرأي الثاني "الحديث" من أمثال منصف الوهايبي الشاعر القيرواني الذي يراوح في كتاباته بين الشكلين، الموزون والنثر.وإذا اسْتثنينا الخلاف الحاصل حول شاعرية الشابي أو حول الموقف من أغراض شعره ـ وهو خلاف مشروع نقبل به طالما بقي الإبداع في خانة أنأى ما تكون عن العلمية والاتفاق ـ إذا استثنينا ذلك الخلاف، فإننا لا يمكن أن نقبل بالإسقاطات التي كثيرا ما نُلحقها بظاهرة ما أو فكرة ما، سياسية كانت أو اجتماعية أو ثقافية/ فكرية .. وهو موضوع حديثنا الآن.وهذه الإسقاطات من الخطورة بحيث لا يمكن السّماح بتنزيلها في غير واقعها. فإن كنا لا نختلف حول اعتبار هذا الشاعر أو ذاك حداثيا ـ باعتبار أنّ الحداثة هي الأشكال الجديدة، ولكن الثابتة للحظتنا الراهنة ـ فإننا نختلف حول اعتبار هذا الشاعر أو ذاك كاتب قصيدة نثر. رغم أنه لم يكتب ذلك الجنس من الكتابة أو لم يقرّ بأنه امتهنه. بل إن نصوصه تلك كتبت قبل أن تظهر تسمية " قصيدة النثر" إلى الوجود مع مجلة " شعر".وقد صرّح أكثر من شاعر وناقد أن بعض شعرائنا كتبوا قصيدة النثر قبل عشرات السنين من ظهورها مع مجلة "شعر" اللبنانية، بل حتى قبل ظهور كتاب سوزان برنار سنة 1959 مثل محسن بن حميدة وأحمد القديدي ومحمد البشروش وأبو القاسم محمد كرو وحتى مصطفى خريّف.. وإن كان من الممكن أن يكتب مصطفى خريّف قصيدة النثر في ديوانه "شوق و ذوق" الصادر سنة 1965 وكذلك محسن بن حميدة في "قافلة العبيد" وأحمد القديدي في "سنابل الحرية".. باعتبار صدور هذه الدواوين زمنيا بعد ظهور مصطلح قصيدة النثر، خاصة مع تنظيرات أدونيس ابتداء من 1960 وبداية الوعي بهذا الجنس من الكتابة المأخوذ عن الغرب والمنقول بدوره عن الشعر الأمريكي.قلنا إن كان من الممكن تقبل هذه المسألة، فإنه من غير الممكن تقبلها مع بقية الأسماء، فقد جاء عن لزهر النفطي أنه "وفي تونس نشر أبو القاسم الشابي نماذج من هذا الضرب من الكتابة الشعرية بجريدة الصواب سنة 1928 كما نشر محمد البشروش بمجلة المباحث التي أسسها سنة 1938 بعض المحاولات من هذا النمط الشعري ""7" وأضاف لزهر النفطي بنفس الدراسة" وفي مرحلة الستينات نشر محسن بن حميدة مجموعته الشعرية قافلة العبيد وأحمد القديدي ديوانه سنابل الحرية في هذا النمط من الكتابة الشعرية""8".ولا أعرف لماذا يصرّ نقادنا وشعراؤنا على مثل تلك الإسقاطات؟ وكأنهم بذلك يريدون نفي التأثر بالآخر المتأثرين به أصلا والآخذين منه كل ما يهم شؤون حياتنا.ثم أنّ التثاقف والتواصل الحضاري بين الشعوب لم يكف عن التوادد والسجال منذ بداية النوع البشري. فقد أخذ المسلمون والعرب عن اليونان والإغريق، ليأخذ الغرب بعدها من العرب تفاعلا وترجمة، وها نحن الآن نأخذ من الغرب فائض حاجاتهم المعرفية، ولا شيء يمنع ذلك.إنّ إصرارنا على النبش في قبور تراثنا بحثا عمّا لا أصل لنا فيه، يعد بحق مدعاة للسخرية والتهكم. بل انّ البعض ممن اعتبرهم ناقدنا الجليل لزهر النفطي من رواد من كتب قصيدة النثر التونسية.. رَفَضَ هذا النمط من الكتابة واعتبر أنّ الشعر لا يحتمل النثر ولا يمكن أن يخرج عن الوزن والإيقاع.مناقضا بذلك ما ذهب إليه ـ أيضا ـ سوف عبيد في كتابه "حركات الشعر الجديد بتونس" "سبتمبر 2008" إذ ورد أنّ " محمد البشروش يحذق اللغة الفرنسية بل ويكتب بها أيضا، حيث كان مطلعا عن كثب على أدبها الذي ترجم منه إلى العربية، فلا عجب إذن أن يكتب الشعر النثريّ وفي ذهنه الوعي بمسألة التحرر من النمط الخليلي ""9".فلماذا كان البشروش واعيا بمسألة التحرر من النمط الخليلي في ثلاثينات القرن الماضي عندما بدأ ينشر نصوصه بمجلات " العالم الأدبي""7 نوفمبر 1932" و"المباحث" " جانفي 1938"؟ثم تنكّر في تسعينات القرن نفسه لمسألة التنظيرات تلك وقصيدة النثر التي كان يكتبها البشروش واعيا بها، كما قال سوف عبيد ولزهر النفطي. ففي حوار بمجلة المسار التونسية " أكتوبر 1993" صرّح البشروش أنه يمكننا أن نجد في اللغة العربية نثرا شعريّا أي مُحلّى صورا شعريّة ومُشْبعا أحاسيس رقيقة لطيفة، لكن لا يتصوّر أن يكون في اللغة العربية شعر نثريّ، لأن الشعر إذا نثر فَقَدَ صفة الشعر وأصبح كلاما عاديا مجرّد تقليد أعمى لقوالب أعجميّة بعيدة كلّ البعد عن روح اللغة العربيّة في شعرها، لأنّ الشعر العربيّ لا يمكن أنْ يتخلّى عن النغم والإيقاع والوزن مهما كان نوعه""10".وهذا ينطبق على عديد الشعراء الذين كتبوا في الثلاثينات وحتى الستينات والذين كتبوا نصوصا عدّوها " قصائد نثريّة". و قد تغافل عديد النقاد والشعراء عن أنّ المقصود بذلك هوّ خلوّ النصّ من الوزن. فكلّ ما خلا من الوزن والقافية سمّي "قصيدة نثريّة" أو "قصيدة نثر".وهذا ما ذهب إليه عز الدين المناصرة بقوله "يرى الكثيرون أنّ مصطلحات "الشعر المنثور" أو "النثر المشعرن" أو "قصيدة النثر" هي مسمّيات لإسم واحد تعني النصّ الذي يخلو من الوزن والقافية بشكل عام وهو يحتمل درجات من الشاعرية "الصورة واللغة" حسب النصّ المكتوب""11" لهذا كانت تُكتب تلك النصوص "الخالية من الوزن والإيقاع" باعتبارها قصيدة نثر، بميكانيزمات تتطابق مع القصيدة الحرّة أو العمودية. بمعنى أنها تتوفّر على تقفية وإيقاع متواتر ومكثف شبيه بالإيقاع الوزني في القصيدة الحرّة والعمودية،" فكانت نصوص الشابي منشدّة إلى الوزن والقافية، تتوسّل بهما خلق موسيقاها وغنائيتها.إذن، فإنّ قصيدة الشابي لم تبلغ الأوج الذي بلغته التجارب الحديثة في صياغتها لإيقاعاتها الجديدة. صياغة اسْتعاضت عن الوزن والتقفية بأبعاد جديدة كإيقاع الصور الشعرية في تجاوزها وتوالدها. وإيقاع الشخصيات في تصارعها وتماثلها وتقابلها وإيقاع الأزمنة في تناوبها وتعاضدها" "12."وإن كان صاحب هذا القول غير مقتنع بهذا الكلام الذي يأتي في سياق تفسيره لآراء محمد لطفي اليوسفي حول الشابي، الذي يحوصلها باعتبار الشابي ـ وهو يرسم ما اعتبره النقاد والشعراء قصيدة نثرـ إنما يرسم فلتات نثريّة موقّعة لا علاقة لها بقصيدة النثر وشروطها. ولم يتوفر للشابي مفهوم " القصديّة " باعتبارها ذلك " التعمّد في الإبداع الأدبي وتعطيل دور العبقريّة والإلهام""13".فكأنّ اليوسفي أراد أن يقول بل هوّ يصرّح علنا أنّ الشابي في علاقة بقصيدة النثر "لم يكن واعيا بها إطلاقا". لهذا يجب أن لا نخلط في علاقتنا بالفكر النقدي بين العبقريّة وشروط النصّ الإبداعي. بمعنى أن عبقريّة شاعر "إذا توفّرت العبقريّة في الشابي" لا تجعل منه كائنا له القدرة على كتابة كل الأجناس الأدبية السابقة واللاحقة والتي لا زالت في علم الغيب" فالخطابات التي حرص أصحابها على تضخيم منجزات الشابي وإعلائها وتمجيدها إنما تمثّل عودة للقدامة" "14"وإن كان "التضخيم" حسب محمد لطفي اليوسفي لا يُعلي من قيمة الشابي ولا يقلل من قيمتنا. ولكن اعتبار الشابي كاتب "قصيدة نثر" منذ ثلاثينات القرن الماضي، تعدّ محاولة إيديولوجية سافرة ومشبوهة، الغرض منها الالتفاف على منجزات الحداثة والتمسك "بهويّة" مصطنعة و مأدلجة.إنّ فراغ الساحة الثقافية التونسية من الأصوات الشعرية في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، جعل الشابي يتربع على عرش مملكة الشعر التونسي. وبنيت حوله هالة من عظمة وفخامة مكنته من أن يكون نصّه أحد رموز الحركة الوطنيّة قبل الاستقلال. ولأن نصوصه "الثورية " ـ منذ إذا الشعب يوما أراد الحياة ـ ظلت لفترة طويلة لازمة في كل خطابات الساسة والمناضلين وفاتحة القول لتهييج الجماهير ورصّ صفوفهم... لأنه كذلك ظل الشابي ذلك الرمز الذي لا يمكن التشكيك في شاعريته، كما لا يمكن التشكيك في وطنية فرحات حشاد.وتواصلت معنا قداسته طوال القرن الماضي وبداية القرن الحالي " وأننا لا نأتي بجديد حينما نقول أنّ الشابي مثّل ولا يزال يمثّل هرما شعريا لا يرتقي إليه أحد في مسيرة الكتابة الشعرية التونسية "..." ولربما سيظل هكذا متربعا على مملكة الشعر التونسي لقرون أخرى قادمة " "15".كيف إذن نتحدث عن الحداثة الشعرية، وبعض كتابنا ونقادنا لا زالوا في كهوف القدامة يقتاتون من أصنام الشعر بمثل ما يقتاتون من أصنام الساسة.وهذا ما يجعل مثل هؤلاء يشككون في مسألة التواتر و الصيرورة التاريخية التي تفرض حتما ـ لا نقول هدما أو إلغاء ـ بل بناء على ما هو كائن بحثا عن المنشود. لهذا يرى بعض الجهلة، أنّ أغلب الذين جاؤوا من شعراء "لم ينطلقوا مما بلغه الشابي شعريا" "16" وهذا ما يدفعنا إلى القول أنّ الساحة الشعرية التونسية هي ساحة الشابي، وأنّ ما سبقه وما لحق به ليس شيئا آخر غير تشويه الذائقة وقتل الشعر على حدّ تعبير عمّار العوني وهو يصف حالة التسعينات الشعريّة.وأعتقد أنه منذ 1974 بدأت نسبة قصيدة النثر للشابي مع كتاب "في الأدب التونسي المعاصر" لأبي زيان السعدي. حيث عرّج على ظهور قصيدة النثر العربية منذ جماعة المهجر الأمريكي مع جبران والريحاني وصولا إلى حديثه عن ظهور قصيدة النثر التونسية منذ الثلاثينات حيث " يبرز أبو القاسم الشابي مجربا لهذا اللون وممارسا له في أكثر من قطعة واحدة وقد امتازت بإشراقة ومتانة التراكيب وتدفقها بأحاسيس النفس الفياضة وما توشّحت به من أردية الأحزان وانقباض الآمال وسط عالم يمتلئ شرورا وآثاما، نفس النغمات الشجيّة التي كثيرا ما طالعناها في قصائد الشابي المنظومة""17".وتواصل هذا المدّ التاريخي لقصيدة النثر التونسية و ريادتها عند الشابي مع دراسات وكتب أخرى، لعلّ أهمها كتاب " حركات الشعر الجديد بتونس" لسوف عبيد، حيث توفّر على كثير من التهافت و الاعتباطية وجهل بالفروقات بين قصيدة النثر والقصيدة الخالية من الوزن. لهذا عدّ سوف عبيد أبو القاسم محمد كرّو من كتاب قصيدة النثر، إضافة للبشروش والشابي طبعا.فقد " عُرف أبو القاسم محمد كرو بأعماله النقديّة في الأدب والتاريخ، فهو إلى الكتابات الدراسية أقرب منه إلى الكتابات الإبداعية. غير أنّ هذه القصائد تضعه ضمن روّاد قصيدة النثر في تونس على الأقل، حيث أنّ قصيدته "نجوى الليل" تعود إلى سنة 1946 ""18".وبين بدايات " في الأدب التونسي المعاصر "1974" لأبي زيان السعدي، وصولا لكتاب سوف عبيد "2008" تواترت جملة من الدراسات والمقالات الصحفية حول قصيدة النثر التونسية ونسبة ظهورها للشابي في ثلاثينات القرن الفارط مع أبو زيان السعدي ومحمد البشروش و كرّو وربما مصطفى خريف.وربما ستمطرنا الأيام القادمة بدراسات وكتب ومواقف أخرى عن ظهور قصيدة النثر ومدى صحّة نسبتها للشابي أو بالأحرى لمرحلة الثلاثينات مع الأسماء التي ذكرناها.و بمثل ما يحدث في الساحة الثقافية التونسية، يزعم بعض شعراء قصيدة النثر المصريّة أنّ هذا الجنس من الكتابة وجد ما يشبهه في التراث المصريّ القديم، بل ذهب بعضهم إلى "إرجاع قصيدة النثر المصريّة إلى العهد الفرعوني "وهو تعنّت الغرض منه سحب البساط من تحت الحداثة الشعريّة العربية، وإعادة مدّ البساط الشعري العمودي والموزون. والبحث عن الآباء الشرعيين في سجع الكهّان وإشارات التوحيدي و إشراقات المتصوّفة ومخاطبات النفري وكتابات نقولا فياض ونثر الرافعي وحسن عفيف،و ربما الإنجيل والنص القرآني.وإذا استثنينا القلة "أحمد طه ـ ميلاد زكريا ـ وائل غالي .." فإن أغلب الشعراء المصريين والعراقيين والسوريين، بل أغلب النقاد والشعراء العرب يقرون بأسبقيّة قصيدة النثر البيروتية ويعدّنها بداية قصيدة النثر العربية وبداية انتشارها.ونحن هنا "كمثل علماء الدين الذين ـ وبمجرّد أن يكتشف الغرب حدثا علميا ـ يعودون ليفرّوا وينبشوا في النصّ القرآني ليسْتدلوا على أن القرآن هو الأول والأسبق" "19" بل أنّ بعضهم لا زال يغط في كهف القدامة، ولم ينتبه بعد إلى أنّ قصيدة النثر قد افتكّت اعترافا من الساحة الثقافية العربية و تموقعت كأحسن ما يكون التموقع داخل نسيج هذه الساحة. و أنّ التشكيك في شرعيّة وجود هذا الجنس من الكتابة، إنما هو شبيه بالتشكيك في الحداثة. ولا أزعم ـ هنا ـ أن قصيدة النثر هي الحداثة، بل هي جزء من كيانها أو هي أحد تجلياتها.ومثل هؤلاء كمثل الذين شككوا في وجود القصيدة الحرّة وحاربوها. وعدّوها خروجا عن الجماعة وفق المعجم الفقهي.غير أن القصيدة الحرة افتكت شرعية وجودها وانتصرت في النهاية على خصومها الكلاسيكيين.غير أنّ الفرق هنا، أنّ شعراء العمود لم يعودوا للتراث الشعري ليبرروا عداواتهم للقصيدة الحرة، بل حاربوها باعتبارها تفسخا شعريا وضربا للغة العربية.في حين أنّ خصوم قصيدة النثر ـ من أمثال عبد المعطي حجازي الجاهل أصلا بمفهوم قصيدة النثرـ اعتبروا أنّ " النصوص النثرية المشتبهة بالشعر قديمة في آدابنا. و لقد ظن الجاهليون أنّ القرآن شعر وأن الرسول شاعر، وذلك لأنّ في لغة القرآن مجازات وإيقاعات نجهلها أقرب إلى لغة الشعر منها إلى لغة النثر ".." وكذلك في لغة التوراة وفي المزامير ونشيد الإنشاد ومراثي إرميا وفي لغة التصوّف نفس شعريّ عميق ""20".إنّ الساحة الثقافية العربية ـ والتونسية خصوصا ـ تعيش حالة من الفوضى والارتباك جعلتها إلى الآن غير قادرة على أن تحسم مسألة التسمية أو حتى شرعية الوجود... وجود نصيّ منذ 1960 لا زال محلّ شكّ وريبة، في حين أن أشكالا حديثة أخرى من التعبير لم تلق نفس الرفض والتعنت، على غرار المسرح والفن التشكيلي، وهذا مردّه ـ ربما ـ كون الشعر ديوان العرب وأنّ مجرد التفكير في افتكاك الأسبقيّة منهم يجعلهم يفقدون كل شيء. و نحن الذين لا سبق لنا غير الشعر الذي افتُكّ منا، وبات الشعر العربي في مراتب متأخرة بسبب عوامل لا علاقة لها دائما بالإبداع، ولكن لعوامل حضارية وسياسية ودينية.

_________________

* كاتب تونسي

الهوامش:
1 ـ منصف الوهايبي:أبناء قوس قزح( متخير من الشعر التونسي المعاصر)،وزارة الثقافة والسياحة،صنعاء 2004، ص6.
2 ـ حوار مع محمد الغزي: جريدة الجوهرة الفنية التونسية، العدد 25 ـ أفريل 1996.
3 ـ نفس المصدر السابق.
4 ـ نفس المصدر السابق.
5 ـ منصف الوهايبي: نفس المصدر السابق، ص 21.
6 ـ نفس المصدر السابق.
7 ـ لزهر النفطي : الموروث النقدي ونظرية الأدب المعاصرة في قراءة الشعر،جريدة الجوهرة الفنية التونسية، العدد 25 ـ أفريل 1996.
8 ـ نفس المصدر السابق.
9 ـ سوف عبيد: حركات الشعر الجديد بتونس، سلسلة كتاب الحرية، ط1، تونس 2008، ص 32.
10 ـ حوار مع محسن بن حميدة:مجلة المسار، نشرية اتحاد الكتاب التونسيين، العدد 18ـ أكتوبر 1993، ص 77.
11 ـ عز الدين المناصرة : اشكاليات قصيدة النثر،المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2002،ط1 ،ص 24.
12 ـ مصطفى القلعي :لطفي اليوسفي قارئا الشابي، مجلة الحياة الثقافية، إصدارات وزارة الثقافة التونسية، العدد 141 السنة 28/ جانفي 2003، ص 114.
13 ـ بشرى صالح: الصورة الشعرية في النقد العربي الحديث، المركز الثقافي العربي، بيروت1994، ط 1، ص 82.
14 ـ مصطفى القلعي :لطفي اليوسفي قارئا الشابي، نفس المصدر السابق، ص115 .
15 ـ عمار العوني : النص الغائب في المدونة الشعرية الحديثة، جريدة الصباح التونسية، 7ديسمبر 1999، ص10.
16 ـ نفس المصدر السابق.
17 ـ سوف عبيد: نفس المصدر السابق،ص 87.
18 ـ نفس المصدر السابق: ص 51.
19ـ المهدي عثمان:قصيدة النثر أو القصيدة الخرساء لأحمد عبد المعطي حجازي/ أحكام نقدية من موقع، القدس العربي 12 ديسمبر 2008 سلبي جاهز
20 ـ أحمد عبد المعطي حجازي: قصيدة النثر أو القصيدة الخرساء، إصدارات مجلة دبي الثقافية، نوفمبر 2008، ط1، ص46

ملتقى الكتاب العرب والأفارقة











تحت شعار تفاعل، تلاحم ـ اتحاد، تقدم، انطلقت فعاليات ملتقى الأدباء والكتاب العرب والأفارقة بالجماهيرية الليبية من 23 إلى 27 أكتوبر بجامعة قاريونس.
كان الترحاب بالضيوف والاحتفاء بهم أكثر من المتوقع. بدءا من مطار بنغازي مرورا بنزل تيبستي وصولا إلى كل لحظات وفعاليات الملتقى.
وقد مثل الوفد التونسي الذي تغير آخر لحظة من صلاح الدين الحمادي (رئيس وفد) ومسعودة بو بكر و ساسي حمام باعتبارهما أعضاء و المهدي عثمان كباحث. هذا بعد أن كان من المفروض أن يحضر كل من جميلة الماجري ومحمد البدوي. وقد حضر الوفد التونسي أشغال الندوة الذي افتتحها على التوالي السادة محمد شرف الدين الفيتوري أمين اللجنة الشعبية لجامعة قاريونس والدكتور خليفة أحواس رئيس اللجنة التحضيرية للملتقى ومحمد سلماوي الأمين العام لاتحاد الكتاب العرب.و السيد أتوكي أوكى رئيس اتحاد عموم إفريقيا. ثم كلمة الوفود المشاركة، التي ألقاها نيابة عنها رئيس اتحاد كتاب سلطنة عمان.
وقد انطلقت الجلسات العلمية مع الدكتور علي يعقوب جالو من النيجر، ثم تتالت المداخلات إلى أكثر من ستين بحثا ومداخلة وتعقيبا من تونس والجزائر و موريتانيا ومصر والسودان وكينيا والسنغال وغانا والعراق و المغرب و أوغندا وغامبيا وتشاد وفلسطين والإمارات واليمن وليبيا طبعا.
وقد تمحورت المداخلات حول الإشكاليات التالية:
* المثقف وتعزيز الهوية.
* الثقافة العربية في إفريقيا بين التغريب ورهان التجديد.
* الرؤى الجماهيرية ومستقبل البشرية.
* اللغات الإفريقية وإشكاليات الهوية.
* مستقبل الثقافة العربية الإفريقية في ظل الفضاءات الكبرى.
* أثر الهجرات التاريخية على الثقافة العربية و الافريقية.
* دور المثقف في بناء الكيان الثقافي العربي الافريقي الذي تمحورت مداخلة المهدي عثمان حولها، ببحث حمل عنوان: مفهوم المثقف الجمعي ـ دور المثقف العربي في دعم التلاحم العربي الافريقي.
وتزامنا مع فعاليات هذا الملتقى عقد الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب اجتماعات المكتب الدائم لمناقشة جدول أعماله المقرر. حيث تم الاتفاق على تأسيس اتحاد الكتاب والعرب والأفارقة وبعث جائزة افريقية تمنح للأدب المكتوب بأحد اللغات الافريقية بما فيها العربية.
وكانت تونس ممثلة في اللجنتين التحضيريتين، حيث مثلها الشاعر صلاح الدين الحمادي عضو الهيئة المديرة في هذه الأشغال.
كما ساهم كذلك مساء الأحد 24 أكتوبر في تأثيث أمسية شعرية على هامش الملتقى بنزل تيبستي مكان الإقامة. حيث شارك في الأمسية كل من كريم رضي ( البحرين)و سمير درويش (مصر) و نور الدين الطيبي ( الجزائر) و خالد درويش و تهاني دربي ( ليبيا) و خالد الشايجي( الكويت) و مبارك السالمين(اليمن) و مراد السوداني (فلسطين) وفي اليوم الختامي تم إمضاء اتفاقية تأسيس اتحاد الكتاب العرب والأفارقة. ومشروع بعث جائزة إفريقية تمنح للأدب المكتوب بأحد لغاتها. كما أوصى البيان الختامي بأن تلتئم الدورة القادمة للملتقى العربي الافريقي في شهر سبتمبر 2011 بالجماهيرية الليبية.
هذا وأصدر المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب تقريرا يهم حال الحريات في الوطن العربي، والذي جاء كعامل دفع نحو تحسين وضع الحريات في مجال حرية التعبير والفكر والإبداع، منددا في الوقت ذاته ببعض الممارسات القامعة لحرية الرأي في بعض الدول العربية، منها التحفظ على نشر و توزيع بعض الكتب والرقابة عليها. كذلك حجب أكثر من صحيفة و وسيلة إعلام ومنها الصحف والقنوات التلفزية و الأنترنات.
كما أشار التقرير إلى الحظر المتكرر على حرية التظاهر والاجتماع، دعمه تفشي الوصاية الدينية ومحاكمة النوايا.كما نبه التقرير إلى أن افتقار بعض الدول العربية إلى الجمعيات والهيئات التنظيمية الممثلة للكتاب، من شأنه أن يمثل خطرا على الكتاب والمثقفين.
هذا ولم تقع الإشارة إلا لدولة العراق باعتبار أن واقعها المضطرب يؤثر على واقع الكتاب والأدباء.
وإذ يرفع الاتحاد العام هذا التقرير إلى مثقفي أمته وقادتها، إلا أنه لم يرتق إلى المستوى المأمول في التعامل مع الراهن الثقافي والسياسي. وكان من المفروض أن يشير بالاسم وبالتواريخ لواقع الحريات في الوطن العربي.تجدر الإشارة هنا أن الملتقى تميز بحسن تنظيم وحفاوة وترحاب برهن على الجهد الذي قام به لجنة التنظيم التي تكونت من الرابطة العامة للأدباء والكتاب بالجماهيرية واللجنة الشعبية العامة للثقافة ومركز دراسات وبحوث الكتاب الأخضر وجامعة قاريونس.

الأربعاء، 6 أكتوبر 2010

ديوان صوتي : وصية الوردة


أصدر المهدي عثمان في مفتتح شهر أكتوبر 2010ديوانه الصوتي الأول متضمنا 22قصيدة مختلفة من حيث طولها و غرضها .وهو بصدد انتظار
ديوانه الورقي في أواسط نفس الشهر حاملا عنوان : عاطل عن العشق

ما يقوله منشق عن قبيلة " إيزولد "


المهدي عثمان :جريدة الشعب / العدد 1091بتاريخ 11سبتمبر 2010
«لدينا خطابات متعددة، ولكنها متعلّقة وليست مفتوحة فيما بينها، وهي خطابات تكفير، وإن جاءت بصيغة مختلفة»* نصر حامد أبو زيد

(1)
هب أنّ الإله كان أنثى وأنّ الملائكة ذكورا... هل تستوي الربّة فوق العرش بعد سبعة أيام؟
أنا قلتُ سبعة أيام، وحال لساني يمخط كلامه في آذان أصحاب النوايا الجالسة قرفصا ... يقول:
ـ لا قدرة للجسد /الجسم الأنثويّ على مشاق الخلق
أحدهم وبدهاء مفرط في الزندقة، قال :
ـ الخلق من صفات الأنثى، كذا الولادة. ألا تقدر الأنثى أن تلد العالم كما تلد طفلها ؟
سؤال /إشكال لا يحتمل الصدق أو الكذب، فهل يوجد رحم يتّسع لكلّ هذا الزخم الماديّ ؟
حين يخطر ببال الواحد مـنا، أن يُخضع آخر لتجربة الغثيان ( وليس الغثيان الوجوديّ ) أو الخجل حدّ التبوّل... فإنه ينجح أحيانا كثيرة.
وهذا ما قصده أحدهم لما لغّ:
ـ هذه الأنثى /الإله، يمكنها أن تلد العالم صغيرا بحجم الكائن البشريّ، فترضعه حتى ينمو ويدرك اكتماله الوجوديّ .
إنّ معانقتنا لهذه المحاولة الإيديولوجيّة السافرة والمشبوهة، يضعنا أمام حقيقة أنّ هذا الكون المتبلّد /الصلد /الغليظ /الحزيز... سيطلّق صفاته هذه. لأنّ الآلهة الأنثى من جبلّتها الليونة والنعومة والذوبان المميت حدّ التشكّل من جديد.
فهل سيوصل «سيزيف» صخرته إلى حيث رنا ؟
وهل يكتب لسدّ «غيلان » اكتمالا ؟
وهل تحوّل « ميدوزا » ضحاياها إلى ورد بعد أن كانوا حجرا ؟
(2)
لما يخطر ببال منشقّ عـن القبيلة أن يشـقى بالسـؤال التالي:
ـ هل يحتمل الإله تحزبا /انتماء؟
إنّ مـا تجيزه الشرائع للخارجين عـن الشرائع، هوّ مـا تجيزه القبائل للخارجين عن طاعتها.
ـ وماذا تجيز الشرائع للخارجين عنها؟
يحتمل الإشكال متّسعا من الوقت... من الذاكرة... من اللامعنى.
منْ يرتدي جبّة عثمان، يشرّع لنفسه أنْ ينفّذ فيك شرْعه... وأيّ شرع ؟
وهل لا بدّ للشرعيّة أن لا يرتديها الضّعفاء؟
ما تُجيزه الشرائع للخرجين عنها، ما لا يحتمله الضّعفاء:
أنْ تفقد السّلطة ... أنْ لا تمتلكها أصلا... أنْ تكون خارج البوتقة ... أنْ لا يرْضى عنك التنْزيل ... أنْ...
ـ الإيمان لا يحتمله الضّعفاء... وهو قوّة .
ـ الكفر لا يحتمله الضّعفاء... وهو قوّة .
ـ الضعف ما لا يحتمله الضّعفاء ... لكنّه ضعف.
(وما الذي تجيزه القبائل للخارجين عنها ؟)
حين تدقّ أوتاد خيمتكَ، لا بدّ أن يجتثّ الآخرون أوتادهم كيْ ينصبوا خيامهم أمام بوتقة تنفّسكَ .
يحفرون أخدودا كي يصدّوا عنكَ الغزاة/كي يحول الأخدود دون خروجكَ عنهم.
وحين تحاول الانتحار، بأنْ تُلقي بجثّتكَ في الأخدود هناك، يمنعونك /يمنعونك من الخروج عنهم.
ـ الحبّ خروج عن القبيلة ... وهو قوّة.
ـ الجنون خروج عن القبيلة ... وهو قوّة .
ـ الأنثى خروج عن القبيلة ... لكنها قوّة أضعف.
(3)
هل يجوز للأنثى أن تكون إله؟
قال:
ـ « فينيس » كانت إله.
قلتُ:
ـ ليونتها أغمد فيها الخارجون عن الشرائع أظافر كفرهم ففقدتْ«فينيس» شرعيّتها /سلطتها .
أنا أقول :
ـ لا يجوز /يجوز للأنثى أن تكون... وكفى .
ـ وحين يكون الملائكة ذكورا؟
ـ الإله، إله... و الملائكة، ملائكة. و الاختلاف احتمال شرعيّ التشكّل.
قلت ما قلت، وكان الوشاة يسترقون السمع لكفري فدسوا بصاق تحزبهم، لأصلب أو أحرق كالآلهة.
وهذه مشاهد حرقي كما قرروا:
(4)
هل يزعجكم أنْ أكون وحيدا؟ وهل يؤرقكم كلما زدتُ اقترابا ... كلما زدتُ ابتعادا... كلما زدتُ انكسارا؟ربـما...
ها أنني أنْفرد بزندقتي، وفوضى الأشياء في داخلي، وأشرعتي الملقاة قسرا على المواني المورقة في الترْحال ...
ها أنني موحش كانهزام جديد، كثقب التورّط في الهزائم، كطير البجع الطينيّ، يشدّ ريشه للسفرْ. كأنّ البحر ما أسْعفه بنسْيان بوصلة الجهات، و جنون الجرح البشريّ:
«بوصلة لا تشير إلى الجنوب مشبوهة »(1)
ها آنذا ... وما جدواك يــــا آنذا ؟ وأنتَ ... توقّع أيامكَ بالفراشات المُعدّة للاحتراق .
هل يزعجكم أني أحترق؟
شاهدوني ( عفوا ) أدعوكم لعرْض فرجويّ أبطاله «أنا» وشيّ اللحم على مخازيكم . أنا أدرك، أنكم أدركتموني أحترق ... ثمّ ماذا؟ ستذرفون الدمع على فقدان سروال كان يساعدكم على عادة الضحك الدنيء. ستلعنون الأقدار على ذرّ رمادي على عيونكم، وانتصار الاحتراق الصليبيّ على مقاومتي.
ثمّ ماذا....؟
أتمدحونني؟
كما اتفق الذين من قبلكم على تخْصيب النُّصب التذكاريّة بالحناء.
أترثونني؟
والرثاء جبّة « عثمان » لكلّ الذيـن يمارسـون لعبة «بافلوف» مـع الكلب . فهل تستقيم اللعبة مـع القرد «الداروينيّ »؟ ثمّ إنني أدرك أن لا أحد سيهجونني.
قدْ أنجو من احتراق، كان لا بدّ من جمره... وأنتقم ... نعم أنتقم .
أقولها... وليشهد كلّ المجوس، إن كانت النار بردا وسلاما على جسدي.
(5)
فــي ضواحي مدينة القديس الأخير، كنتُ محاطا باحتراق الحطب النفْطيّ، وبالدعوات و بالدمع الممرّغ في طين النفاق. ضجّت النار ... بالتراتيل احتميْتُ، فلم أنجُ من اللهب.
بالقدّيسين ... وبالقساوسة الكرام، فلم يسْلم جسدي .
ناديتُ:« أن أسعفوني »... فلم يسْتجب أحد.
وتنافس التجار على عرض أجزائي البشريّة للبيع ... للحوانيت ... للخزي الوطنيّ... كأنّ صديقي، أتْلف جبهته وباع القصائد للصحف المتناسلة من جهلنا بالمداد... وانطوى .
أمي، شقّتْ ثوبها الوحيد الذي اشترتْه في ذكرى احتراق المخيّم، وضاع صوتها بيْن عَرق الحشود ودمْع ثكالتها، والخبز المرّ في ليالينا لمحاصَرة .
اطمأنوا لحرْقي... ودّعوني بالشهادة، ومضوا غير مأسوف على كبدي.
(6)
ألف عام ظلّت النار تضطرم ... ربّما ظنوا احترقتُ .
تآكل الإسفلت /ولّى... وأوقع الربّ سباتا على العالمين فناموا، قساوسة وكهانا.
ربّما ظنوا احترقتُ ...
وإذ قالت «ايزولد » لجنْدها :
ـ جرّبوه.
وقالوا :
ـ نجهل أنّ المنايا تفيق .
ألف عام ظلّت النار تسْتعر.
أفقْتُ من حَرْقي، لا كفن يسترني، ولا حطب ولا عسس. بحثْتُ عنكم خارج خرائط المدن، فلم أعثرْ على أحد .
(7)
لمّا أدركتُ مقبرة ... كان جسمي موثوقا لقبري، وقد اتهمتُ بالكفر والزندقة وخيانة الحزب وبالوحدة والاغتراب وبالتعب.
.......................
..........................
..... سوسنة أيْنعتْ ......
هوامش:
(*) ايزولد: آلهة الشعراء من خيال الكاتب.
(1) من معنى لنص مظفر النواب: بوصلة لا تشير إلى القدس مشبوهة.

الأحد، 8 أغسطس 2010

المهدي عثمان ينشر بمجلة "سيسرا"



العدد الخامس من مجلة «سيسرا»

عمان ـ الدستورصدر حديثا العدد الخامس من مجلة "سيسرا" ، ضمن إصدارات النادي الأدبي بمنطقة الجوف بالمملكة العربية السعودية لشهر تموز ,2010 في مجال الدراسات والنقد تناول هشام بنشاوي "نًداءُ الشًّعْر" لصلاح بوسريف. وقدم د. سعد عبد القادر العاقب دراسة موسيقية لديوان محمود درويش "أوراق الزيتون". أما د. محمد عبد الرحمن اليونس فقد كتب عن الشاعر العبّاسي ابن الرومي ، إلى جانب دراسات لحافظ مغربي حول التشكيل بالزمكانية في الخطاب القصصي وشعيب حليفي حول فاعلية التخييل في الخطاب القصصي. وتقدم "سيسرا" في عددها الخامس مجموعة من الإبداعات الشعرية لكل من: ملاك الخالدي ، علي جمعة الكعود ، محمد عبد العزيز العتيق ، تركية العمري ، زكية نجم ، سليمان العتيق ، عماد الدين موسى ، المهدي عثمان ، تهاني إبراهيم ، ناديه البوشي ، وحسن الربيح. وتضمن العدد ثلاث حوارات ، أولها مع الكاتب خالد الخميسي ، وجاء الحوار الثاني مع الفنان التشكيلي غازي أنعيم رئيس رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين ، التي يقيم فيها منذ سنين ، وصاحب الحضور القوي في ساحة الفن الفلسطيني خصوصا والعربي عموما ، والذي تعيد أعماله الفنية إلى الذاكرة فلسطين حية بمساجدها و لباسها ودفء أحيائها. أما الحوار الثالث فحوار ترجمه رشيد طلال للروائي المكسيكي "كارلوس فوينتس".كما تقدم مجموعة من الإبداعات القصصية لكل من: ثناء عياش ، عبد الله فهد ، منال محروس ، سارة الأزوري ، عبد الله السفر ، لبنى ياسين ، دعد الناصر ، حسين السباهي ، ومحمد الشقحاء.أما زاوية أقواس فقد جاءت تغطية لمشوار الراحل الكبير الشاعر المصري محمد عفيفي مطر للكاتب والناقد الفلسطيني علي أبو خطاب ، كما خصص رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير المجلة إبراهيم الحميد افتتاحية المجلة للإشارة إلى تجربة الراحل الكبير محمد عفيفي مطر.

الصالون الثقافي




في إطار سياسة التواصل التي انتهجها الصالون الثقافي بدار الشباب المهدية، وتبعا للنجاح المتميز الذي شهده اللقاء الأول للصالون ارتأينا أن نضاعف الجهد ونزيد من حجم العمل المبذول لتكريس هذا المشروع، الذي أردناه نواة قارة ومتكررة تكون قادرة على خلق تراكم من البرامج والمشاريع. خاصة في ضل الفتور الحاصل في النشاط الثقافي بجهة المهدية. وفي ضل الفكرة السائدة التي ترى أن مؤسسة دار الشباب لا يمكن أن تتجاوز النشاط الرياضة .إن التشجيع الذي لقيناه أثناء اللقاء الأول للصالون باعتباره نشاطا غير عادي وغير متكرر، هو الذي دفعنا لأن نعيد التجربة و نراكمها. وسيضل هذا الصالون فضاء قارا للإبداع الثقافي يجمع الأدب والفكر والفن التشكيلي والسينما .. وغيرها من الفنون، لهذا جاء هذا اللقاء مساء السبت 24 جويلية 2010 بالتعاون مع مهرجان عيد البحر بالمهدية وفرع اتحاد الكتاب بصفاقس في ظل حضور عديد المثقفين والمتابعين بجهة المهدية، وقد حضر كل من : الدكتور الناقد خالد الغريبي / الحبيب دربال / أمين دمق / نادر بن سالم / عبد المجيد بن البحري / عادل جراد / محمد الهادي الهلالي / عادل نصير / الحبيب الدهماني / آمال جبارة / لطفي بن سلامة / حسن بو دية / الهادي قمري / عبد الحفيظ الزواري / ناجي العجمي / الحوري مبارك/ الحبيب المبروك / الموسيقي محمد الناصر بالحاج خليفة صحبة فرقته الموسيقية / أصغر عازفة قانون في العالم هناء بوخريص ... وعديد المتابعين


ونشط اللقاء كل من الحبيب الدهماني والحبيب المبروك والمهدي عثمان

السبت، 12 يونيو 2010

الصالون الثقافي بدار الشباب المهدية


شعار الصالون الثقافي



شعار اتحاد الكتاب التونسيين

************************************************************
ينظم الصالون الثقافي بدار الشباب المهدية، بالتعاون مع اتحاد الكتاب التونسيين، أمسية ثقافية موسيقية مساء الجمعة 25 جوان 2010 ابتداء من الساعة الرابعة ظهرا.

وذلك وفق البرنامج التالي:

*تكريم: محمد موسى بن عمر و الحبيب كريم
*قراءة في رواية " القرفي " للحوري مبارك
*قراءات شعرية لأعضاء اتحاد الكتاب
*قراءات شعرية للشعراء الشبان
*مصاحبة موسيقية (محمد الناصر بالحاج خليفة)

الدعوة مفتوحة للجميع للحضور و المشاركة وإبداء الرأي

ملاحـظــــــــة: يحضر الأمسية كل من المولدي فروج ـ محمد البدوي ـ عادل جراد ـ الناصر الكسراوي ـ الحوري مبارك ـ آمال جبارة ـ آمال النخيلي ـ ناجي العجمي ـ عادل نصير ـ السيد بو فايد ـ محمد موسى بن عمر ـ الحبيب كريم ـ حسن بو دية... وعشاق الكلمة وأصدقاء القصيدة


الثلاثاء، 8 يونيو 2010

الغراب أحلامنا العارية



+ ثمّة وَجَع يتدفأ فوق أصابعنا ويُفكر فيما يُضيف لحَرْقنا
+ ثمّة حزْن يَطرق أبْواب أحْلامنا العارية دون أن يفْطن حُـرّاس الفوانيس.
+ ثمّة بَجع نهريّ يغازل قصب الوديان، أين تَرك قميصه يجفّ منْ عَرق السّمكات
+ ثمّة شيء يُغْمض عيون خُطانا...نتعثّرُ...تُـ
سـ
قـ
طـ.....
...أحْلام أصابعنا كأسا فتُجْرح ورْدة.
+ ثمّة....
..............
منْذ مليون شتاء
كانت الوردة دمْعا
أوْ بكاء البجَع النّهريّ
كانت الورْدة حُلم النّملة المرْهق
كانت الورْدة أولى الكلمات .
كان للأشْجار كُهّان ومعبدْ
قطعوا عُصفورة قُرْبان خوف..
فاسْتحالت ورْدة الودْيان ضوْءا
واستحال الشّعْر تُبّانا مُزرْكشْ .
+ زمنئِذ لمْ يكن للغراب مُتّسع منَ الخدْش بما يُواري الرّيش المطعون منْ جناحه
+ زمنئذ لا الشّمسُ اسْتوت على كرُسيّها ..
لا القمر قسّم جُهوده على الجهات ..
[ - هلْ ثمّة جهات ؟
- ننْتظر البوصلة .]
+ السّماء لمْ تُسوّي رداءها نهائيّا، ولمْ تُمشّطْ شَعْرَها المجْنون ضفائر
.. فقطْ.. لمّا نامت الأشْجار تسْتأنسُ بالعواء عارية..
أجْهضتْ موْلودها فكان نجوما
سَجدْنا...
وُلدْنا سُجودا
ولدْنا قفا للمساجدْ
سَجدْنا...
لشمْس الغروب
فكانت معابدْ
هيَ الشّمْسُ ربّ يهبْنا عُـواء المناجلْ
جبال عَبدْنا...جِمال [ رحيل ]
رياح عبَدْنا ...رماح [ قتيل ]
خبايا... خفايا... عدمْ...
ولم يبْتسم.
لنا ربّنا، ربّما كان صخْرا... غرابا..
- غرابا ؟
هي الأرْضُ دون اله مهازلْ
............
وهبْ أنّ طيْرا اله..
متى كان ربّ، وما كان طير ؟
هَبْ أنّ طيرا كان إله، جناحاه منْ طين...
يُصفّقُ ...تسْقط المخْلوقاتُ منْ ريشه .
يُصفّقُ... ينْشرُ الريش على أفْواه الأرْض الجَوعى
يسْتحيلُ أشْجارا خضراء/ زرقاء ...حينا .
................................
البيضة الأولى، تبْتسم لدفء الأغْصان البرّيّة. تخرجُ فراشات يرْغبن في الطّيران
...لكنّ الرّيح !!
يُصفّق الطير ثالثة ... يُولد الرّيحُ من حلْم الفراش .
تَطير الرّغْبة فحْل فَراش مهْجور.
هَبْ أنّ طيرا كان إله، يوزّع اللّون على حُلْم كائناته و....يطيـــرْ
النّملة...حُلم النّملة، أوْسع منْ ثُقْب الأرْض.
...أكْبر من دعوة " دجّال " يرتّبُ الكلَم الأوّل.
ينْتظر عصيّ العمْيان، لينْشُر دعوته و...يسـيــــــــــــرْ .
حُلم النّملة يغوي فراشة باحتضان لونها
على أنّها توزّعُ رائحة عطْرها على السّوْسنات
يـ
سـ
قـ
طـ...
... يسْقطُ فرح منْ أصابع بنيّة السّنْديان .
تتلقّفه عشْبة، لئلاّ تَجْرَح خدّاه...فيبْتسمُ .
في البدء كان الطّير... كان الطّينُ .
" هذا طينك...طينك
قدْ أفْسَق فيه الوعْيُ سنينا "

- يُصفّق الطّير رابعة ...
تبُول السّماء حليبا، لا لون ولا طعْم، برائحة السّمك والأشرعة.
كان الماء...كان الموج ...ويفْتحُ الصّخْرُ فخذيْه على آخرهما .
يسْتقْبلُ دمع السّمكات بشهْوة .
ترْكض البهائمُ والقوائمُ ، وفراء الثّلْج إلى الأطْلسيّ، لئلاّ تحْبل بالنّقْمة.
تتلقّى الصّخْرة سِياط الموج على النّهْد .
...تتلقّى نطفات الماء الخاثر بالقبلات .
تشابكت الصّخْرات بأصابع من كلْس، كيْ تحْبل من الموج .
ولمّا كان المولود صخْرة " ايزولد " * تراجعت النطْفة للعمْق، وأرتفع الغثاءُ .
- دون الصّخْرة ...ماذا يدْفع " ايزولدْ " لعكْس الإنـ
حـ
دا
... ـر ؟

- دون الصّخْرة ما أصابعنا ؟
- دون الصّخْرة ....................................... يبْقى الوهمُ !!
وأصابعنا تلْعقُ عانات الشّموع الموقَدة في الزّوايا .
......................................................
[ هذه الصّخْرة ما أكثر الجهد بها ...ما أكثر حروف الوهْم والتّكْفير ]
مُتْعَب...مُتْعب...مُتْعب...
جُهدنا مُتْعب
مُتْعب جُهدنا
مُتْعب عزْمنا
متعِب كلّ ما يُتْعب الرّغْبة
أو يُواري خُطانا تَعبْ
هلْ أتاكمْ حديث العنبْ ؟؟
.....................................................
ربّما صار طيني تعبْ
* * *
هارب... هـــــــــــــــــــارب
أو هــــــــــــــــــــارب
أو هكذا ينْبُت التّعبُ
يهْربُ منْ ماذا ؟ إلى أين ؟
متى ؟
ثمّ كيف ؟
- يهرب الطّين من التّعب إلى العنب .
- يهرُب الظلّ من أقْدام القصب الرّاسخ في المجْرى .
- يهْرُب المجرى من مجْراه .. من مأواه .. من صُور ستُعلّقُ لاحقا على الخرائط
- يهرب المجرى منْ صُلْبِ " العدنانيين " ...من جيوب " المرابيين " ...
من أكياس " العلويين " المحْمولة كالتّعب على ظهور الفاتحين.
- يهرب المجرى من ....إلى...العبْريين.
أو لا يهرب العبريون ‍‍!!
* * *
- أوّل الهاربين وآخر الهاربين، المجرى.
- أوّل الفاتحين وآخر الفاتحين، المجرى.
- أوّل القادمين وآخر الفـــــــارّين، المجرى.
- أوّل .....و آخر.....المجرى.......
- ثمّة أشْياء كثيرة تهربُ .
- ثمّة مجْرى يهْرُب من خِصْر قصب الخيزران.
- ثمّة ضحكة تهْرب من أقدام النّخل الحافية .
- ثمّة....
تَهربُ النّيران من الغفران
يَهربُ الغفْران من الأحْبار *
يلغّ الغُفران ذئبا في فم شجرة قُطعتْ نعْشا.
تـ
سـ
قـ
طـ ... الأشْجار على الأشْجار ...
...تنْتفض الأجْنحة
تفرّ السّماء إلى أعلى لـ...نزْداد طـــــــــولا .
تَبتّلْ ...تبتّلْ ... بُتولا
فإنّ السّماء الأُفولَ
وأنّ التّراب البقاء
وطينا يشدّ الجذور
...تَفرّسْ ...
...و حاذرْ ...
ذئاب الهُروب
وسجّلْ بأنّ البقاء الرّسوخ
................
هوَ الملْحُ أرْسخْ...
وأبْقى
أقلّ أُفولا

الجمعة، 28 مايو 2010

قراءة في كتاب"الحداثة والحرية" للحبيب الجنحاني


وجهة نظر متفائلة
بقلم: المهدي عثمان

جريدة الشعب التونسية: 22ماي 2010
وأنا أتصفّح على عجل كتاب «الحداثة والحريّة» الذي أُعدّ ليتقبّل إجابات الاستاذ الحبيب الجنحاني... إجابات وردتْ نتيجة أسئلة ومطبّات وإحراجات طرحها الصحفي والكاتب ناجي الخشناوي بطريقة التوليد السقراطي. إذن، هو كتاب حواريّ وهو كتاب على صغر حجمه، يجعلك تتساءل باستغراب عن مطابقة ثمنه (7 دينار) لحجمه ذاك، بالمثل لم يتوفر الكتاب على إشارة لعدد النسخ المطبوعة، وهو في اعتقادي سهو لم يحصل مع أيّ كتاب صادر عن دار النشر تلك... هي تفاصيل تجعل القارئ يمنح مصداقية ما للكتاب ولكاتبه ولدار النشر...
جملة اعتراضية طالت اكثر من اللزوم، لأعود مستدركا. قلتُ، وأنا أتصفّح على عجل هذا الكتاب، جالتْ بخاطري فوضى التعريفات والمفاهيم المسقطة والناقصة والمحرّفة، حول «الحداثة» وحول «الحريّة» غير أنّي بعد أكثر من قراءة، اقترحْتُ على ذاتي الممدّدة على الطاولة أنْ أقرأ الكتاب بعنوان مغاير، هوّ عنوان وضعه الصحفي والكاتب ناجي الخشناوي كتقديم للكتاب: «نحو رؤية مدنيّة عربيّة». نعم هذا هو العنوان الحقيقي للكتاب، وأقنعتُ نفسي أنّ خطأ مطبعيّا ما غيّر العنوان فالكمّ الهائل من القضايا التي طرحها الصحفي والكاتب ناجي الخشناوي على محاوره، تجعلها تفْلت وتستعصي على «التقولب»، في خندق «الحداثة والحريّة...» بل امتّدت نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان والسياسات الاستعمارية والعولمة... مرورا بالاستعمار الكولنيالي والديون والتخلّف وحركات التحرّر وصولا للعنف الدوليّ والإرهاب، وإنْ كان طرح إشكالية «الحداثة» في الوقت الراهن، يطرح أكثر من سؤال، عن قدرة هذا المفهوم على «التجلّي» الواضح.
وما عمّق المفارقة، اقتصار الاستاذ الحبيب الجنحاني في حديثه عن الحداثة عن عصر التنوير، وعمّا أنتجه ذلك العصر من «قيم» كونيّة، مهّدت للتدخل الاجنبي وانتهاك سيادة الدول.
بل الأدهى من ذلك أنّ قادة الثورة أنفسهم، تنكّروا لمبادئها التي أعلنوها صائفة 1789 بأن أقصوا الفقراء من الاقتراع الذي حدّد سنة 1791، ولا يحق الانتخاب إلا لمن يدفع الاكثر.. بمعنى الأثرياء وأصحاب الوجاهة.
بالمثل تجاهلت الطبقة السياسية في بريطانيا وضع العبيد الذي تواصل لسنوات أخرى. الى حدود 1848 في فرنسا و1863 بالولايات المتحدة. يعني 74 عاما بعد صائفة الإعلان عن المبادئ الإنسانية تلك. إنّ خوضك غمار الإبحار في القضايا المطروحة، داخل هذا الكتاب، من حيث طريقة طرحها والإجابة عليها، يجعلك أقرب لفهم الراهن العربي وتداعيات سقوطه وهشاشة طبيعته السياسية والاجتماعية. فالمحاور (ناجي الخشناوي) ملمّ إلماما واضحا بالنتاج الفكري للحبيب الجنحاني، وله رؤية نقديّة وعلميّة للراهن العربي، حتّى أنّ القارئ الجادّ ينتبه لقدرة ناجي الخشناوي على طرح أسئلته بطريقة «الفخّ»، كي يجرّ محاوره لحقول ثقافية وسياسية ملغومة أو من الصعب اقتحامها، بما يتوفّر من كمّ نظريّ لم يعد يف بالحاجة.
سياسات التعديل أو الليبرالية الجديدة:
إنّ المتمعّن في القسم المخصّص «للحداثة»، يلتفت للإعجاب الأعمى بقيم الحداثة، بل وكأننا أمام الحبيب الجنحاني وهو يُبرّر للقمع السياسي والعسكري وتدخّل القوى الاستعمارية عبْر الاستعمار التقليدي والحديث.
نفهم قوله: أنّ عصر الأنْوار سمح «بغرْس قيم الحريات العامة، وقيم العقلانيّة والمواطنة وفصل الدين عن السياسة...» ولكن إذا لمْ تتنزّل هذه الحريات والقيم إلى أرض الواقع، فما الداعي لأن ننادي بها، بل الأدهى من ذلك، أنّ الدول الغربية مهد هذه الافكار، هيّ التي تنادي بها وتطالب بترسيخها في خطابها الرسمي الموجه للاستهلاك الداخلي. وتعْمد في الوقت نفسه الى دعم الحكومات العسْكرية والاستبدادية وقمع حركات التحرر وانتهاك سيادة الدول، وحتّى للالتفاف على القرارات الامميّة.
وهذا ما يفسّر ـ تحديدا ـ «ظاهرة الردّة التي تغزو المنطقة العربيّة (...) برفض الآخر والعودة الى نماذج تاريخيّة مرّت عليها قرون عديدة». فالمواطن العربي المطحون بين مطرقة السلطة المتخلّفة والاستبدادية في وطنه، وبين سندان الدول الاستعمارية التي لازالت تضرب بالقوانين الدوليّة عرض الحائط... من حقّه أن يرفض الآخر، ويُدين هذه القيم «التنويريّة» التي لم تحمه من هذا الاسْتبداد المزدوج، وهو ما ذهب إليه ناجي الخشناوي أثناء طرحه للسؤال السادس، وكأنّه كان مقتنعا أنّ الردّة لم تأتي رغبة في القديم وهروبا من التقدّم ولكنها رغبة في البحث عن الأفضل / المغاير.
لن أقول أنّ القديم هوّ الأفضل، ولكنّه الأضمن من وجهة نظر المواطن العادي وبالنسبة للحركات الأصوليّة... طالما أنه (القديم) وضع أقرب للفهم من الحداثة المغلّفة بقيم ضبابيّة المفهوم والتطبيق. وهو ما يعني أنّ الغرب ليس متعددا كما ذهب الى ذلك الاستاذ الحبيب الجنحاني، بل هو واحد، يجمعه نفس الخطّ الليبرالي. خطّ ليبراليّ مُعادي، عبر أهداف التنمية وسياسات التدخّل والاحتلال، وحتّى السكوت عن انتهاكات دول لدول أخرى «ذات سيادة».
«فتطبيق سياسات التعديل (الليبرالية الجديدة) في عدد من بلاد العالم الثالث أسفر عن نتائج غير متوقّعة بعضها عدائيّ...» هكذا صرّح «روبيرتز» و»إيمي هايت» في كتابهما المشترك «من الحداثة إلى العولمة» فكيف يكون الغرب متعدّدا، وهو يدير ظهره للمسائل الحقوقيّة والإنسانية وانتهاك سيادة الدول ضدّ فلسطين والعراق والصومال وأمريكا اللاتينية....
إنّ الحداثة التي لم تفرز شيئا آخر غير التقدّم التكنولوجي، حسب الاستاذ الحبيب الجنحاني... تُساهم في «التعرّف الى سلبيات الظواهر الاجتماعية» كالعنف، غير أنّ هذا «العنف» زاد تطوّرا وانتشارا وحرفيّة، ومرّ لتجارة الجنس والأعضاء البشرية والجريمة المنظّمة وغسل الاموال... ولم يثبت أنّ التكنولوجيا ساهمت في التقليل من هذه الظواهر.
بالمثل لم تسْمح هذه التقنيات «بوضح حدّ للتصفيات العرقيّة والطائفيّة» فأين الحداثة في وضع حدّ للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقضيّة كشمير وحروب إفريقيا جنوب الصحراء ودارفور والصحراء الغربيّة، وحتّى قضيّة الإرهاب التي جاءتْ نتيجة الحداثة، صحيح هيّ نتيجة وضع داخليّ، ولكن انتهاك سيادة الدول والتدخل في شؤونها وعدم القدرة على إيجاد حلّ للصراع العربيّ الاسرائيليّ... من الاسباب الدافعة لانتشار المدّ الأصولي المتطرّف.
إنّ القول أنّ الحداثة تساهم في إيجاد حلّ للصراعات الإثنيّة والطائفيّة، تبرير مردود على صاحبه.
إذن، لا يمكننا التباهي بهذه القيم إلى حدّ الانصهار في الآخر... هذا الآخر / الغربي تعوّد إنتاج «مفاهيم» حسب قياسه ومصالحه ونحن نسْتهلك ونعدّل الواقع على تلك المفاهيم التي من المفروض أن نعدّ لها قياسا على واقعنا على غرار حقوق الانسان والحداثة وما بعد الحداثة والعولمة والارهاب والشرق الاوسط الجديد أو الكبير (لا فرق...) فهل أنتج العرب أيّا من هذه المفاهيم او ساهموا في إنتاجها؟... بالطبع لا... لا... إننا نحتاج الى حداثتنا نحن ومفاهيمنا نحن وثوراتنا نحن.. ولا داعي هنا لتبرير تغيير الواقع العربيّ بواسطة الحوار والاحتجاج فالآخر (السلطة العربيّة) لا يعتبرك مؤهلا لأن تنقده. إنه واقع لا يتغيّر إلا بالثورة... ثورة المواطنين والتقدميين والعمال والمضطهدين والمثقفين... على هذا الواقع المتهرئ.
إنّ التجارب الإنسانيّة وحياة الشعوب الدول، علّمتنا ذلك.
ملاحظات حول العولمة
أود هنا أن أُعلم الأستاذ الحبيب الجنحاني أنّ كتابه «العولمة والفكر العربي المعاصر»، لم يكن مبادرة في هذا المجال مثلما صرّح، ذلك أنّ الموضوع صدرتْ في شأنه عشرات الكتب، نذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر:
ما العولمة: حسن حنفي وصادق جلال العظم، سنة 1999 وطبعة ثانية سنة 2002.
تحديات العولمة والتخطيط الاستراتيجي: أحمد سعيد مصطفى ـ 1998.
العولمة والهويّة الثقافية (عشر أطروحات): مركز دراسات الوحدة العربية ـ 1998.
حوار الثقافات وصراعها العولمة والوشائجيّة الجديدة عبد الرزاق عيد ـ 1998.
فخّ العولمة: هانس ـ بيتر مارتين وهارولد شومان ـ ترجمة رمزي زكي ـ 1998.
وعشرات الكتب والدراسات والمقالات الصادرة في الدوريات العربيّة.
هذا بداية وثانيا، أريد أن أسأل الاستاذ الجناحني: هل هناك عولمة من وجهة نظر عربيّة؟ أو إفريقية أو جنوب أمريكية؟ بالطبع لا إذن، هل أن كل هذا الجهد السياسي الاقتصادي هو إنسانيّ بحت، الغرض منه خدمة الانسانيّة؟
لماذا تناسى الاستاذ «تحليل التجارب الحيّة، الاستقلال، وتبعيّة الاطراف للمركز»، خدمة العولمة في دعم هذا الهدف؟
ألا زال الأستاذ الحبيب الجنحاني يرفض أنْ تكون العولمة «غطاء جديدا لأحد أشكال الهيمنة»؟ ألمْ يُعرّف صادق جلال العظم العولمة على أنّها «حقبة التحوّل الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء في ظلّ هيمنة دول المركز وبقيادتها وتحت سيطرتها وفي ظلّ سيادة نظام عالميّ للتبادل غير المتكافئ».
إنّ العولمة ليستْ شيئا آخر غير الامتداد الأفقي للرأسماليّة، لكن بطرق تمكّن من نقل وسائل الإنتاج الى الاطراف، هذه الاطراف التي لازالت تقبع تحت براثن التخلف السياسي والفقر والصراعات الإثنيّة وغيرها... مما يجعلها أحيانا كثيرة غير مؤهلة لفهم الظاهرة، فقضاياها الأهمّ الغذاء والتنمية والفقر والسيدا وحتّى بعض الامراض التي لا يقبل العقل بوجودها في القرن الحادي والعشرين. فهل العولمة لحلّ هذه المشاكل البشرية المتراكمة؟ أم بحثا عن يد عاملة رخيصة ومواد أولية لصالح الشركات المتعدّدة الجنسيات.
لماذا أقصيت الديمقراطية؟
تساءلتْ لما وجدت الكتاب يتوفّر على ثلاثة أقسام: الحداثة والحريّة والديمقراطيّة، ومردّ تساؤلي، لماذا كان عنوان الكتاب «الحداثة والحريّة»، ولم تقع إضافة «الديمقراطية» لعنوان الكتاب؟ خاصة وأنّ مفهوم الديمقراطية أكثر المفاهيم المغيّبة عن الساحة السياسية العربية فلا انتخابات نزيهة ولا أحزاب ولا مجتمع مدني ولا تداول سلمي على السلطة.
فالدول الناشئة، ومنذ حصولها على الاستقلال يحكمها «الحكم العسكري أو نظام الحزب الواحد الشمولي» كما جاء في أحد أسئلة ناجي الخشناوي.
فلماذا أُقصيت الديمقراطية من على غلاف الكتاب؟
هل هي حركة رمزيّة عاكسة لإقصاء الديمقراطية من الساحة السياسيّة العربيّة؟ أم هو سهو غير متعمّد؟ إنّ الشرطية التي أوجدها الحبيب الجنحاني لوجود الحريّة هي الديمقراطية حتّى أنّ التفريق بينها أو إقصاء واحدة، تعدّ محاولة إيديولوجية سافرة ومشبوهة.
فالحريّة الفرية التي يجب أن تفتكّ عبر النضال الوطني... نضال مكونات المجتمع المدني، هيّ التي ستمكّن الفرد من كسب القدرة على أن يطالب بالديمقراطية والتحزّب والانتخاب والتداول على السلطة وحرية التعبير... وهي كلها تصبّ في «ثقافة المقاومة»، أيْ الثقافة التي تمكّن الفرد من أن يكون محصّنا ضدّ الإيديولوجيا الأصوليّة والايديولوجيا الاستعمارية وإيديولوجية الاحزاب الفاشيّة... وبالتالي له القدرة على حماية «الوطن» من التدخل الخارجي بفعل الحصانة الداخلية إنه ترسيخ لمفهوم «السيادة».
مفهوم كنتُ أتمنّى ان يقع التعرض اليه اثناء كل الأسئلة المطروحة وخاصة في القسم المخصص للحداثة. كيف يمكن الحديث عن العولمة والحداثة دون التعريج على مفهوم السيادة بإعتباره مفهوما أعادت السياسة الدولية المحتكرة من طرف الولايات المتحدة الامريكية... أعادتْ طرحه من جديد ذلك انّ هذه الحداثة التي دعّمت المكاسب التكنولوجيّة، دعّمت بالمثل قدرات الدول العظمى على التجسس والتنصّت ومراقبة الحدود والاعتداء على سيادة الدول بكل هذه الطرق... فضلا عن التدخّل العسكري المباشر.
إنّ مرورك على متن كتاب «الحداثة والحريّة»، لا يجعلك تكتفي بالقراءة لأنّ القراءة في مثل هذا العمل هيّ مستوى الدلالة الصفر كما يصرّح بذلك «رولان بارط»، فالكمّ الهائل من القضايا التي عالجها هذا الكتاب، يجعله مرجعا للأفكار القابلة لإعادة البناء عليها وتحليلها، كأننا بالاستاذ الحبيب الجنحاني قصّر في إجابات عديدة، دافعا إيّانا الى البحث و»التفكيك» في الوقت الذي بذل فيه ناجي الخشناوي قصارى جهده لحفر ذاكرة محاوره، بأسئلة مراوغة ومفخّخة، سهّلت على القارئ وضع إصبعه على عديد الإشكاليات السياسيّة والحقوقيّة.
إنّ الحبيب الجنحاني بمؤهلاته المعرفية والبحثيّة، وناجي الخشناوي بثقافته وقربه من الحدث السياسي الحقوقي... تمكّنا من فكّ عديد الشفرات الخاصة بالراهن السياسي العربي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب الحداثة والحريّة: حوار أجراه ناجي الخشناوي مع الاستاذ الحبيب الجنحاني، الشركة التونسيّة للنشر وتنمية فنون الرسم، ط 1، فيفري 2007.

الخميس، 20 مايو 2010

نصوص شعرية

في انتظار سقوط البرج



قال البرج الأول :


ـ ما الدوار الذي اعتراني ؟


أ لأنني الأعلى ؟


............


قهقه البرج الثاني كمن فاجأه التبوّل


غير أنّ السقوط أطاح به أيضا



           * * *

ما الدوار الذي اعتراهما ؟


هل الشمس أنْشبتْ مخالبها في الارتفاع ؟


( نعرف أنّ الحُرْقة أشدّ ضراوة كلما اقْتربت )


وقيل جهد عرقه أسْود


هل كلما علا بُرج هوى ؟


على قياس: كل شيء إذا ما تمّ...


تمّ البناء .. تمّ البناء .. تمّ ...


ثمّ هــ


            ـو


                     ـى ..


السقوط بناء جديد


أبْصقْ في الأرض


هل ما بصقْتَ بناء جديد ؟



ضجّتْ سراويل برجولة الخصْيان


... أزْبدتْ .. أرْعدتْ ...


قلنْسوّة الحاخام الأكبر


غيّرتْ لونها للتمْويه


الأناجيل أشهرت حروف المدّ


ونقاطا مُفخّخة ضدّ الإرهاب


..................


عصافير كثيرة خضّبتْ سيقانها بالحناء


نمل نشر مؤونته لشمس البيادر


قالت نملة تُغطي وجهها مخافة الاغتيال :


ـ لم تكن شمس قبل سقوط الفضْح


وقالت أخرى نسيتْ أظافرها في سجن كابول:


ـ كل عام سقوط جديد ونحن بخير

          * * *
الْتقطت آذان الخفافيش


حوار التبوّل في الدساتير الدوليّة


ورتّبتْ نوايا يهوديّ تفاصيل أخرى


صورتْ " عشْتار" تزْحف بالفؤوس إلى حائط المبكى


و" الليطاني " عبّأ جيوبه بالبارود


و الصدف النهريّ..


يعضّ بأسنانه نفقا للهيكل الوهْميّ


...........


رتّبتْ نوايا يهوديّ تفاصيل أخرى


غير أنّ القمر المُخاتل


كشف السّحالي تتربّص بفِراخ لا تقْدر على الحُلم


غير أنّ رماد السقوط طال إنارة قبل القصْف

     * * *


سقط تمْثال جديد


صوّت الجميع ضدّ الإرهاب

الاثنين، 17 مايو 2010

"ليس الماء وحده جوابا عن العطش" لأدونيس

تمجيد الموت
في " ليسَ الماءُ وحدَه جوابا عن العَطش " لأدونيس



ليس الماء وحده جوابا عن العطش *، مثلما نعرف ـ تماما ـ لأنّ الحياة وحدها ليْست جوابا عن الموت. ألم يقل شاعر ذات عصر جاهليّ:
ليس من مات فاسْتراح بميْت
إنمــا الميّت ميّت الأحيـــــــاء
الموت هنا، هو العطش، أو تحديدا ـ ونحن نقلّب التراكيب ـ العطش هنا هــــو الموت.
الموت بمعناه المادي / البيولوجي، والموت بمعناه الرمزي .
هكذا احتفل أدونيس بالموت في كتابه هذا ونحن نقرأ هذا العمل الرائع الصادر عن مجلّة " دبي الثقافيّة "، إنما نتشيّع لهذا الجهد الثقافي الداعي لرفض مراكمة الموت الثقافي في وطننا العربي .بالمثل ترانا نحفر في هذا العمل الأخير لأدونيس حفرا أركيولوجيا لنتعثّر على عتبات السطور والأفكار والسواد والبياض، على معنى الموت الحاضر حضورا لافتا في " ليْس الماء وحده جوابا على العطش " ... موت حاضر بالمثل في واقعنا العربي السياسي والثقافي، عمد أدونيس إلى رصده وهو يتتبّع أسماء الدول و المدن التي مرّ عليها أو مرّت به : اليمن ـ أغادير ـ الإسكندرية ـ فلسطين ـ قرطبة ـ عمان ...
بهذا يثبت أدونيس أنه شاعر كونيّ يعالج قضايا وجوديّة ـ إنسانية مطلقة ( مثل الموت ) وهو مع ذلك شاعر خصوصيّ ملتصق بالطين :
أقرأ الواقع وأتساءل حائرا
أهو الشجرة
أم الريح التي تداعبها ؟
الواقع ؟ أحلام في ثياب العمل
. ص117
ليس الموت وحده يقضم تلابيب المعاني هنا، ولكنه المعنى الأكثر جلاء وانتشارا والأكثر قدرة على أنْ يفتكّ دهشتنا. الآن وهنا في أوطاننا ترانا أقرب لموت آثر أنْ ينبت في تربة أراضينا المالحة، في العراق وفلسطين :
" طاب نومكم في أحضان الشظايا " ص76
وفي أحضان الآلة العسكريّة الهمجيّة في زمن العولمة و" الحداثات " المختلفة والأقطاب أو القطب الأوحد ...
وكانت الحداثة خاتما
يتلألأ في عالم
يتحوّل إلى إصبع إلكترونيّة
في يد نيويورك
ص 17
مع ذلك للموت أشكاله الأخرى الرمزيّة و المعرفيّة. موت خيّم على سماء عالمنا العربيّ وشرقنا العربيّ ومدننا و قرانا :
تُرى ألن تعرف سماء العرب كيْف تُظلّل شيئا آخر
لا يُظلل القتل ؟
ص 60
يقتلنا السلاح المسْتورَد والحروب المسْتوردة والحكومات المسْتوردة والأفكار المسْتوردة والقوانين المسْتوردة ... لهذا تبنّى المواطن العربيّ فكرة الموت ومجّدها . حبا في الموت حينا ... نقمة في الحياة أحيانا ... " شهادة " أحيانا أخرى ... انتحارا ... تدميرا ... تمجيدا ...

و مَن أولئك الذين يموتون لا لشيء
إلا لتمجيد الموت
ص 34

حتّى صار الموت صناعة في يد الإيديولوجيات المختلفة دينيّة وسياسيّة و ثقافيّة.. وبدا وكأنّ الموت أكسير الحياة أو هو النافذة التي نطلّ منها على مشْهديّة الخلود :
بدا الموت كأنه السحر الذي يفتح الأبواب المغلقة
وبدت الحياة
كأنها غيوم من البكاء
ص40
إنه التوادد والسجال بين مفهومين تواجـدا وترافقا وتضادا منـذ الطعام الأول
" الذي هيأته حواء لآدم ".
أدونيس مجّد الموت وأعلاه رغم انتصاره للحياة وللحبّ وللحلم، وهو يقيم منذ الكلمات الأولى في الشعر، وبه يؤسس عالمه الخاص وسماءه الخاصة التي تدثره وتحمي " طيور أفكاره " .... إننا لا نكاد نعرف الأشياء إلا بأضدادها.
أليس بوسعنا الحديث عن القمع والاسْتبداد لما نرنو إلى الحريّة ؟
أليس بوسْعنا الحديث عن الحرب والخراب لما نعرّف السلم ؟
أليس بوسْعنا الحديث عن القبح لما نعرّف الجمال ؟
والعطش أليس جوابا عن الماء ؟
صحيح أنه ليس الجواب الوحيد، لكنه أحد الإجابات الممكنة، مثلما كان الموت هو أحد الأجوبة الممكنة عن الحياة / البقاء:
" ما أشْقى وضوحك أيها الموت " ص 75

ولأنّ أدونيس لم يكن يقيم على أرض هلاميّة وافتراضيّة، بل على أرض
" يحسن رؤية نفسه ويُحْسن معرفتها " لهذا كان أقرب إلى الموت القابع في الشوارع والأزقة والمنعطفات وبين الأجساد. وكيف تتحوّل هذه الأجساد في شوارع بغداد والأحياء الفلسطينيّة إلى خوذات تقرفص على رؤوس العدم / الفناء . ألم يتساءل أدونيس :
لماذا يبدو " الجسم " في الثقافة العربيّة ـ الإسلاميّة مرذولا ؟ ولماذا " يُدمّر " يوميّا باسْتخفاف واحتقار، وعلى نحن منتظم بشكل أو آخر ؟ ص 44
إننا فعلا أمام حالة لتمجيد الموت في عالمنا العربيّ والإسلامي، اسْتطاع أدونيس أنْ يلتقطها بذكاء وحنكة العارف بالسندات . وأثْبت أدونيس ـ وهو لا يحتاج إلى إثبات من شخصي ـ أنه يعوّل على واقعه وفكّ شفراته في تعامله مع اللغة ومع النصّ، وأنه يفنّد زعم من يدّعي أنّ نصوص أدونيس هلاميّة وزئبقيّة ولا إمكانية لتنْزيلها إلى أرض الواقع .
فأدونيس في " ليس الماء وحده جوابا عن العطش "، وضع إصبعه على عالمنا التواق للارتواء والفكاك من حالة العطش التي يعيشها،ولكن عطش ليْس للماء فحسْب ، بل للحياة والحبّ والجمال والحريّة .
" فالنار في كلّ صوْب. أين، إذن، سمنْدَلاتُ الحريّة،
تلك التي تحوّل النار إلى ماء
" ص99

الأحد، 16 مايو 2010


الزمان:01/01/2010

أدونيس مرة أخري

المهدي عثمان

- يعرّف أدونيس قصيدة النثر باعتبارها كلمات عادية مشحونة بطاقة غامضة ـ شكل يجري فيه الشعر كتيار كهربائي عبر جمل وتراكيب لا وزن لها ظاهريا، ولا عروض ـ عالم متشابك كثيف مجهول غير واضح المعالم (1) إنّ مثل هذه التعبيرات المراد بها تعريفا أو شرحا أو تفسيرا أو حتي إبداعا (شعرا أو نثرا)... هذه التعبيرات، هي التي ساهمت في جعل قصيدة النثر غامضة ومعتّمة وأقرب للإبهام منها إلي الوضوح. فأنْ يقول أدونيس أنّ قصيدة النثر مشحونة بطاقات غامضة ـ شكل يجري فيه الشعر كتيار كهربائي إنما هي محاولة من أدونيس للهروب من التفسيرات الواضحة لمثل هذا الجنس الكتابي المستعصي. فاللغة هنا تحدّثنا عن غموض في قصيدة النثر بلغة غامضة، وكأنّ ما ينطبق علي تلك الجملة، هو ما ينطبق علي قصيدة النثر. كيف يمكن إذن، مقاربة مفهوم قصيدة النثر عند أدونيس وهذه الأخيرة غارقة في عالم متشابك كثيف مجهول (و) غير واضح المعالم ؟ إذن، كيف نفهم مثل هذا القول؟ هل قياسا علي مقولة بول فاليري لقصائدي المعني الذي يُسْند إليها ؟ فنقول" لمقولاتي المعني الذي يسْند إليها؟وإنْ كان ذلك صحيحا لما يتعلّق بالشعر، باعتباره يسْتدعي ذلك الاختلاف والتنوّع في القراءات، دفاعا عن " أبدية " الشعر وتجدده " فكل قراءة تقويض لقراءة... ولا يحمل هذا التقويض معني الإلغاء والإفناء " (2)بالمثل لا يحمل الوقوف عند فكرة واحدة ومعني واحدا اعترافا أنه ما اصطلح علي تسميته " بجمالية التلقي "، لما نتحدث عن العلاقة بين النص و القارئ. وهذا مفهوم ترجمه سعيد خرو عن كلمةRezeptionsasthetim ... لما يتعلق بالشعر، فإنّ تأويل "النثر " يستدعي الوقوف والتمهل.فهل مقولة أدونيس في تعريفه لقصيدة النثر، أريد بها توضيحا للمفهوم أم إيغالا في التعتيم؟و هل يمكن أنْ نجزم أنّ قولا غير مفهوم ومعتّم وزئبقيّ، هو قول لا يقول شيئا؟بودلير و رامبو و مالارميه أم " أنّ ذلك العالم المتشابك الكثيف المجهول " يمكن أنْ يفكَّك و يٌبْسَطَ ويصير واضحا؟أم أنّ مثل هذا التحوّل الجوهري لعالم قصيدة النثر من شأنه أنْ يُفقدها جوهرها ومعناها الحقيقي أو طبيعتها التي هي ذلك " التشابك " و " الكثافة " و " الغموض "؟فهل هذا ـ إذن ـ ما قصده أدونيس أنّ " علي قصيدة النثر ألاّ تتعارض مع صفات المجانية والغموض والكثافة "؟ (3) وهي نفس الفكرة المأخوذة عن سوزان برنار بل حتّي شعراء من أمثال بودلير و رامبو و مالارميه " أكّدوا مفهوم الغموض في الشعر وكتابة قصيدة النثر " (4) وهذا ما يدعّم فكرة أنّ الإبهام/التعتيم من شأنه أنْ يبتعد بالقصيدة عن الشعور والعواطف، نحو الفكر والفلسفة.فإذا وضعنا علي طاولة التشريح، نصوص نزار قباني ـ مثلا ـ يصعب أنْ نتعثّر علي عتبات قصيدة واحدة معتمة وعقلية أو ذهنية أو " موضوعية " ، بحيث تدفع القارئ للبحث أو لاسْتخدام المعاجم الفقهية والفلسفية والسياسية. وإن كنا باسْتدعائنا لنزار قباني، لا نخلط بين قصيدة النثر والقصيدة الحرة التي يكتبها هذا الشاعر... إلا أنه لما يتعلق بالغموض، يبدو جليا اقتراب قصيدة النثر من هذه الجهة المعتمة نحو الإبهام.فأدونيس يؤكد في نصوصه " ذلك التلازم الدائم (..) بين الشعر والفكر. حتي إنّ أشعاره ليست إجمالا في منأي عن إعمال الفكر "
(5)فالجُمل الشعرية تكاد تكون مقتطعة من كتب فلسفية، بحيث من الطبيعي أنْ يكون " تلقي هذا الشعر أكثر صعوبة من تلقي غيره " (6) بسبب ما يلتصق به من غموض وضبابية وربما الوصول إلي التعتيم أو الإبهام المطلق.وإن بدا أدونيس غير مقتنع بفكرة الوصول بالشعر إلي مرحلة " الإبهام المطلق " إلا أنه يعترف بضرورة أنْ لا يناقض النصّ " العامل الحضاري " (7) بل يتماهي معه تجسيدا " للبعد والحدس والعمق في الشعر " (8). لذلك يقول أدونيس في زمن الشعر " بضرورة ربطه (الشعر) لا بالعاطفة والمشاعر فقط، بل الشعر مع ذلك " هو ما يمكن أنْ نسميه الفلسفة. فهؤلاء الشعراء (يقصد غوته و دانتي وشكسبير) عبروا خلال عواطفهم وانفعالاتهم عن العالم. كان لهم معني آخر. رأي في العالم وموقف منه... كانت لهم فلسفة " (9)نفهم باطلاعنا علي أدبيات دانتي وغوته وشكسبير، مدي ما وصل إليه أولئك الشعراء في تعاملهم مع الواقع ودفعهم نحو تغيير السائد، وأخذ موقف من الرداءة... غير أننا لا نذهب مع أدونيس في اعتبار قصيدة النثر العربية أخذت تلك الوجهة، باسْتثناء بعض التجارب.فالحداثة غيّرت في الغرب ما لم تغيّره و ما بعد الحداثة والعولمة مجتمعة في العرب.مع ذلك " فالموقف " يكاد يكون غائبا عند شعراء قصيدة النثر. وهو ما جعل " حزب المحافظين " يعتبرها بداية أو بالأحري نتيجة للأزمات المختلفة التي يعيشها الراهن العربي. من ذلك أنّ عبد المعطي حجازي اعتبرها نتيجة للعولمة أو الأمركة (وهو خلط ينم عن جهل) وهزيمة 1967 " مما أدي إلي انحطاط اللغة وتوقف الإبداع واسْتفحال التيارات المعادية للعلم والحرية " (10)وإنْ كنت تعرضت لمواقف حجازي المتطرفة من قصيدة النثر، إلا أنّ موقفه ذاك هو صدي لمواقف أخري متعددة . فقصيدة النثر عند نسبة كبيرة من شعرائنا لا تتبنّي " موقفا " من السائد والراهن، بل عوّلت علي الذاتيّ والتمحور حول الذات Egocentrismeبل تذهب قصيدة النثر إلي أبعد من ذلك بطموحها " إلي الانفصال عن الواقع (..) والنأي عن تمثيله " (11)و لما نسْتدعي هذا الواقع، إنما نسْتدعي ما أثير حول هذا النصّ من شبهات.وخاصة بإصدار مجلة " شعر " التي تزامن إصدارها لأول مرّة مع العدوان الثلاثي علي مصر، ثمّ توقفت وعادت للصدور قبل انطلاق حرب 1967 بأشهر.مع أنّ أغلب المؤسسين يحملون توجهات قومية، بل هم أعضاء في أحزابها، مثل يوسف الخال وخليل حاوي. بل احتضنت مجلة شعر إبداعات ليبرالية وحتي شيوعية. نذكر نازك الملائكة و السياب و فدوي طوقان وسعدي يوسف والبياتي وعبد الصبور وسلمي الخضراء الجيوسي..إننا هنا ـ ونحن نسْتحضر قصيدة النثر ـ كأننا أمام مدارس تشْكيلية، كالتكعيبية و الدادائية... مدارس عند انفصالها عن الفن الكلاسيكي، أو بالأحري عند اكتمال مشْروعها فصلتْ بالمثل مع الواقع.وصار من المسْتحيل أنْ نعثر علي موضوع تمثله اللوحة التكعيبية.صحيح أنّ اللوحة لا تخلو من موضوع، لكن أيّ موضوع؟إننا نقف أمام مادة زئبقية يصعب الإمساك بها، وصارت هذه الزئبقية هي مطلب الفنّ.إننا بحق أمام " الاعتباطية ". بمعني أنْ تقول كلّ شيء عدا أنْ تقول ما يتعلق بالراهن والسائد و الواقعيّ. وإنْ كان ذلك صحيحا، لما يتعلق بالنهضة الأوروبية وما وصلت إليه تلك الحضارة، من حالة رفاه وسَمتْ حالة المجتمعات، وقطعت تلك الشعوب مع الفقر والأوبئة والتخلف... إنْ كان ذلك ممكنا فإنه لما يتعلق الأمر بالعالم العربي، تبدو محاولة إيديولوجية سافرة ومشْبوهة، الغرض منها التعتيم علي الواقع وتجميل القبح. فهل " علي القصيدة أنْ تقطع جميع الحبال التي تربطها بما يبررها " كما نادي بذلك كوكتو؟يبدو أنّ هذا ما ينفيه أدونيس.ولكن هذا الموقف (عدم القطع مع الواقع) تبناه العشرات بل المئات من كتاب قصيدة النثر، وحتي أدونيس نفسه يحب أنْ يعترف أنّ رفضه للقطع مع الواقع، لا يعني التعبير عنه بمفاهيم ومواقف وجمل مبهمة لا يفهمها إلا هو.أي أنه مطالب بالإجابة عن سؤال:لم لا تقول ما يفهم؟وكيف نفهم قوله مثلا:
توسّدوا سندسَ الله،
أو اسْتسْلموا لدولاب الآلة ،
سوف يقْتفي، وهو الجامح، طبقات التكوين السّفلي
مُزوّدا بماءٍ يحمل الغواية
في كينونة ـ نصْفها رصاص ونصفٌ أسْطورة
في فيض أشْلاء
حيث تشْطح العناصر وتتهتّك المادة (12)
أعرف قدرة البعض علي ارتداء الأحزمة الناسفة للتفسير والتأويل.بل ربما قدرة علي التعسّف علي المعني... إرهاب المعني.إنّ تأويلا قسريا، معناه تنزيل مفهوم " الإرهاب " من معجمه السياسي إلي المعجم الشعري ، أي أنّ هؤلاء بإمكانهم ـ تبعا لذلك التعسف ـ أنْ يمارسوا إرهابا ما علي المعني.نحن لسنا ضدّ التأويل و الشرح والتفسير، لكن ضد إدخال الأرجل في الأحذية الضيقة. فالشعر " نشاط بشريّ يتجاذبه قطبان: العادة والإبهام. و قدره يتمثل في الإفلات من كليهما، حتي يهادن العادة ولا يرتاد الإبهام " (13)فكيف يسْتريح الشعر في ظلّ هذا التجاذب بين العادة والإبهام؟فمحمد لطفي اليوسفي (والقول له) موقن أنّ الوقوف علي العادة رداءة وتكرار، والذهاب إلي الإبهام طلاسم وتعتيم واختناق. وهذا موقف سانده فيه الكثير من النقاد.اشكاليات قصيدة النثروقد علمْنا أنّ المتلقي إذا عجز عن فكّ أزرار المعني، معناه بتر حبال التواصل بينه والشاعر/ الباث.لذلك يذهب اليوسفي إلي أنّ " الغموض " هو سرير الشعر ومخدعه... هو المكان حيث يسْتريح.وبعودتنا لأدونيس نصطدم بسؤاله:لم لا تفهمون ما أقول؟ردا علي سؤال: لم لا تقول ما يُفهم؟لندخل تبعا لذلك في جدل التوادد والسجال بين الباث والمتقبل. أيهما مطالب بالتواطؤ مع الآخر.هل ينزل الشاعر لأرض الداصة والدهماء كما يقول الجاحظ؟ أم ترتفع العامة إلي النخبة لتقطع مع الاسْتسلام " للمرئي السهل ضدّ المقروء الذي يتدنّي يوما بعد يوم " (14) كما ذهب إلي ذلك إلياس لحود؟إنّ أدونيس مع ذلك واحد من أهمّ المنظرين لقصيدة النثر العربية، ورغم هذا الامتياز أو السبق، لا زال غير قادر تماما علي تحديد ملامح ذلك الجنس من الكتابة. بمعني لم يسْتطع إعطاءها لباسها المفاهيمي. حتي أنه ـ وهو يردّ علي أسئلة بعض القراء لجريدة الحياة اللندنية سنة 2001 ـ اعتبر مصطلح قصيدة النثر " مفكك ومتشعب ومتناثر، حتي أنه يكاد يفقد دلالته الأساسية. حيث تحوّل في الكتابة العربية إلي طينة يمكن أنْ نسميها الكتابة الشعرية. نثر " (15)وهذا المفهوم تداولته الأقلام النقدية، واعتمده بعض النقاد والشعراء. بل هو(الكتابة الشعرية.نثرا) من الأسماء التي جمعها عز الدين المناصرة في كتابهشكاليات قصيدة النثر " إضافة لـ 23 اسما.إنّ ما طرحه أدونيس في الإجابة عن بعض الأسئلة التي طرحها عليه القراء في جريدة الحياة اللندنية، أضاء عديد الزوايا المعتّمة الحافة بقصيدة النثر، لعلنا نلخصها في النقاط التالية والتي كان أدونيس يخشي حدوثها:
1 ـ شيوع الكلام علي أنّ قصيدة النثر بدأت تحلّ محلّ الشعر أو محل قصيدة الوزن وهذا كلام يتبناه المحافظون الذين يتهمون كتاب قصيدة النثر بتبني القول الذي معناه إقصاء قصيدة النثر لأصناف القول الأخري والحلول محلها.و هذا ما ذهب إليه أحمد عبد المعطي حجازي في كتابه الأخير بالقول أنّ قصيدة النثر يقدمها الشعراء " كنوع مسْتقل (..) بل يعتبرونها بديلا عن القصيدة الموزونة " (16) وهذا قول مرده التسرع و عدم الفهم. لأن جميع رواد قصيدة النثر يتفقون علي أنها ليست بديلا لأيّ جنس آخر من الكتابة. من ذلك ما ذهب إليه أنسي الحاج في مقدمة ديوانه " لن": كلّ مرادنا إعطاء قصيدة النثر ما تسْتحق: صفة النوع المسْتقلّ. فكما أنّ هناك رواية وحكاية وقصيدة وزن تقليديّ وقصيدة وزن حرّ، هناك قصيدة نثر " (17)
2ـ أما النقطة الثانية، فهو شيوع الكلام علي أنّ قصيدة النثر اسم يتسع لجميع" المسميات" أو أشكال الكتاب لشعرية.نثرا.وهذا موقف ـ وإن كان يخشاه أدونيس ـ إلا أنه شاع وانتشر حتّي بين كتاب قصيدة النثر أنفسهم. حتي بتنا نسمع " حلول " القصة والرواية والخاطرة في قصيدة النثر.وبتنا نقرأ تجارب تجمع كلّ هذه الأجناس علي صفحة واحدة وتسميها قصيدة نثر بتعلة أنّ قصيدة النثر يمكنها أن تتسع لها جميعا. وهي تجارب نعتقد أنها جاهلة بالمفاهيم وغير مدركة لطبيعة قصيدة النثر.لذلك كثيرا ما نقرأ خلطا بين " قصيدة النثر" و " الشعر المنثور " و " في غير العمودي والحر "... و هذا الخلط هوّ الذي جعل عديد النقاد يحفرون في التراب الشعريّ بحثا عن " قصيدة نثر " تراثية أي سبقت في التوقيت مجلة شعر.من ذلك ما ذهب إليه الشاعر التونسي سوف عبيد حين اعتبر ألشابي ومصطفي خريف وأبو القاسم محمد كرو من كتاب قصيدة النثر.وإن حدد سوف عبيد نصوص مصطفي خريف مع انطلاق ديوانه " شوق وذوق " سنة 1965 ، وهو تاريخ يجعل من إمكانية كتابة قصيدة النثر بشروطها التي حددتها سوزان برنار و أدونيس بعدها... إمكانية متاحة.إن ذلك ممكنا مع خريف، فإنه لا يمكن تبني نفس الموقف لما يتعلق الأمر بالشابي ومحمد كرو. فالأول توفي سنة 1934، ولم يشهد حضور قصيدة النثر بمعناها الحالي كما هي الآن.و أما النصوص التي أبرزها سوف عبيد باعتبارها قصائد نثر، فإنها نصوص ضعيفة وتافهة لا يمكن أنْ تتجاوز حدّ الاختلاجات أو الخواطر. ثمّ أنّ احترامنا للشابي لا يجعل منه نبيا لكلّ العصور.وأنّ اعتباره كاتب قصيدة نثر، هي محاولة مردودة علي أصحابها، لأنه لا تتوفر عند ألشابي " قصدية " ما ليكتب ذلك الجنس من الكتابة.وهذا ينطبق علي الثاني.3 ـ اعتماد كتاب قصيدة النثر (الكتابة الشعرية.نثرا) علي القول أنّ ما يكتبونه مرحلة متطوّرة للشعر العربي.ويصروّن علي اسْتخدام كلمة " قصيدة "." فالقصيدة" هي القصيدة منذ حددها القرطاجنّي بشروطها العروضية والإيقاعية المضبوطة والمحددة.وهذا المفهوم وشبيهه لا يمكن أنْ نلصقه بقصيدة النثر أو " بالكتابة الشعرية. نثرا"، لأن أدوات وأسلوب وشكل قصيدة النثر مختلف وربما متناقض مع مفهوم القصيدة " باعتبارها عروضا.الكتابة الشعرية نثراوتبعا لذلك، أي تبعا لوجود ذلك الاختلاف والتناقض فإننا ـ وتبعا لتحديدات أدونيس ـ لا يمكن اعتبار قصيدة النثر مرحلة متطوّرة للشعر العربي.هي مرحلة من مراحل الشعر العربي... لنقل لاحقة أو متقدمة (لا نعني في الزمن الكرونولوجي). وإن كان مفهوم التطور لا يعني الأسبقية أو السبق بالضرورة. ذلك أنّ التطوّر قد يعني التقدم أو التأخر... يعني الحركة.حركة قد تكون في اتجاه ما، ولكن ليس الاتجاه إلي الأمام دائما.كتاب (الكتابة الشعرية.نثرا ينزوون وينكمشون في عدد محدود من الصياغات الكلامية، مسبوكة في جمل تتشابه حدّ التطابق. مما ولّد انطباعا بأنهم أخذوا يوغلون في تنميط النثر نفسه. أي أنّ هؤلاء الكتاب/الشعراء" جاءوا إلي الحرية لكيْ يقيّدوها " (18).وهذا واضح لما تتصفح نصوص كتاب قصيدة النثر لتكتشف " التطابق " و" التماثل " الحاد بين النصوص. بلْ أنك قد تكتشف تعويل عديد الشعراء علي نفس المعجم الطبيعي أو السياسي أو الجنسي...إذن، يمكن أن نلخّص أفكار أدونيس حول قصيدة النثر أو الكتابة الشعرية.نثرا، بالقول أنّ أدونيس وضع إصبعه علي الجرح الغائر فعلا، وهو يتلمس هذا الجنس من الكتابة.ولا غرابة فهو أول من وضع دراسة نقدية عربية واضحة المعالم والأركان عن قصيدة النثر.وإن كانت دراسته عوّلت علي كتاب سوزان برنار " قصيدة النثر من بودلير إلي أيامنا "، إلا أنّ " التناص "لا يُنقص مما قدّمه أدونيس شيئا.وإن كان حراس الشعر العمودي قد اتهموا أدونيس بمجاراة الغرب والأخذ عن حضارة أخري مناقضة لنا من حيث الثقافة والتقاليد والإرث الحضاري. ولم أسمع أنّ أحدا عارض أخْذ المسرح والسينما والفنون التشكيلية والعلوم بأنواعها... فلماذا هذا النقيق حول قصيدة النثر تحديدا؟إنّ أدونيس بطرحه لتلك المخاوف الأربعة، إنما خَلص إلي أنّ بنية الشعر غير زمنيّة، وإن ارتبطت بزمن ما.بمعني أنّ ما يميّز الشعر " الحق" حسب أدونيس هو بنيته وليست زمنيّته... هذا أولا.أما ثانيا، فيري أدونيس أنّ الشعر لا يجب أنْ يحاكي الحياة.لأنه سيتحوّل من قيمة متعالية وسرمديّة إلي سرد وتأريخ، وهو ما يعجّل بفنائه.علي أنّ الشعر ـ مرة أخري ـ لا يجب أنْ يناقض " العامل الحضاري " بل ينصهر فيه و يتماهي معه.فالشعر " لم يعد ـ بمعني آخر ـ للفائدة والمنفعة، بقدر ما أصبح عملا إبداعيا داخليا يجد فيه الشاعر تعزيته وخلاصه " (19) وهذا الخلاف/الاختلاف الجوهري بين مضمون القصيدة العمودية وقصيدة النثر.فالقصيدة العمودية الحاضرة في البيئة الجاهلية والعربية البسيطة لا يمكن لها أنْ تتجاوز واقعها ذاك وماديتها.فالشاعر عصرئذ متماثل مع المادة وحاضر فيها وبها. لذلك يبني رؤاه ونظرته انطلاقا من واقع الصحراء والخيمة وخبب الخيل وقرع السيوف... ولا يمكن ـ تبعا لتلك البيئة المادية البسيطة ـ أنْ يعبّر الشاعر عن رؤي وجودية وفلسفية وذهنية، لأنه لم يدركها.خلافا لقصيدة النثر الحاضرة في زمن التحولات الكبري، زمن ميزاته " تفعيلة الحياة لا تفعيلة الخليل: رفع فخفض وانطلاقة فنكوص واسْتتباب فانقلاب وأرض مطمئنة فزلزال وجفاف فطوفان وسلام عليهم وقنابل علي العرب وفيتنام وتخمة ومجاعة وناس تمشي عراة. آخرون يتقلبون مع الموضات وواحد يصنع طائرة والآخر " يملّسْ كانون " وأبولو والسرطان ساق علي القمر وساق في القبر وجسم ناشط فشكل وعرق نابض فسكتة قلبية.توقيع العصر مكسور مبتور بلا انتظام بلا انسجام لا مستفعلن ولا فعولن ويعدّ فاصل الشعر عند العرب الحداء والحداء قدّ علي وتيرة الإبل في سيرها.أفيركب الشاعر منا اليوم السيارة والقطار والطائرة ويزن الشعر بخطو الجمل ... هو شعر عصريّ " (20)هذا ما كتبه توفيق بكار وهو يقدّم لديوان صالح القرمادي " اللحمة الحية ".. و هذا ما شدّني لأعبّر عن واقع متداخل متمازج فوضويّ ساخر كاذب متهالك مخادع مخاتل... واقع يحتّم علي قصيدة النثر الآن أنْ تجاريه و تلبسه.هذا التضارب بين واقعين مختلفين، طرحه أدونيس في كتابه " مقدمة الشعر العربي " وهو يقارن بين القصيدة الجاهلية وقصيدة النثر (ضمنيا): "القصيدة الجاهلية كالحياة الجاهلية: لا تنمو ولا تُبني. وإنما تتفجّر وتتعاقب. والشعر الجاهلي صورة الحياة الجاهلية: حسيّ، غنيّ بالتشابيه والصور المادية. و هو نتاج مخيّلة ترتجل وتنتقل من خاطرة إلي خاطرة، بطفرة ودون ترابط (...) و لا تقدّم لنا القصيدة الجاهلية مفهوما للعالم، وإنما تقدّم لنا عالما جماليا.المفهوم يتضمّن موقفا فلسفيا، والفاعليّة الشعرية عند الجاهليّ انفعالية بعامة لا تُعني بالمفاهيم بل بالتعبير والحياة والواقع " (21)أما ثالثا، فيري أدونيس أنّ ما يجعل من الشعر شعرا ليس الوزن وليس النثر، بل هناك أشياء أخري ومقاييس أكثر أهميّة وعمقا. لا وزن، لا نثر، هناك معيار آخر لتمييز الشعرفما هو هذا المعيار؟إنها معايير لا نعرف إنْ وُفّق أدونيس في تنزيلها إلي تربة الشعر العربي. ذلك أنه ـ وتماهيا مع كتاب سوزان برنار ـ التقط أهمّ المفاهيم، بل كلّ المفاهيم/الأعمدة التي قامت عليها قصيدة النثر الأوروبية ، وهي حسب سوزان برنار:
*الوحدة العضوية
* المجانية
* الإيجاز
وقد حوّلها أدونيس أو عرّبها أو دجّنها أو غيّر خارطتها الجينيّة لتصبح:* إرادة البناء مقابل الوحدة العضوية* لا غاية لها خارج ذاتها مقابل المجانية* الوحدة والكثافة مقابل الإيجازفإرادة البناء" أو " الوحدة العضويّة " هو " قصد " بناء النصّ الشعريّ بناء واحدا/وحدة لا يقبل التجزئة ولا التفصيل ولا يمكن اقتطاع أبيات لقراءتها منفصلة عن الأخري. مثلما يحصل مع الشعر العمودي.وهذه الإرادة عند أدونيس تفترض " درجات عليا من التحكم في بناء القصيدة " (22)أما القصيدة باعتبارها " لا غاية لها خارج ذاتها " (المجانية)، فإنها لا زمنية. بمعني أنها لا تتقدّم نحو غاية أو هدف مثل الرواية أو القصة أو المسرحية أو المقالة، بل تفرض ذاتها باعتبارها كتلة لا زمنية.أما" الإيجاز " أو " الوحدة والكثافة "، فهو أنْ لا تتعمّد القصيدة الإطالة والتمطيط والتكرار الذي لا هدف له. وأن تبتعد قصيدة النثر ما اسْتطاعت عن الاسْتطراد والوعظ والتفسير.وتبعا لهذه الشروط الثلاثة " علي قصيدة النثر ألا تتعارض مع صفات المجانية والغموض والكثافة التي هي خاصية الشعر " (23)رابعا، يعتبر أدونيس أنّ معني القصيدة " ليس في الكلمة أو الجملة، وإنما هو في حركة القصيدة، بوصفها كلا " ليتحقق شرط الوحدة العضوية حسب سوزان برنار، أو إرادة البناء حسب أدونيس. وهذا خلافا للقصيدة العمودية التي يمكن أنْ يحكي عنها بيت واحد أو حتي صدر أو عجز، كأن تقول:الخيل والليل والبيداء تعرفنيدون أن تكمل بقية البيت للمتنبي.خامسا، إنّ القول الشائع أنّ الشاعر صوت القبيلة أو نبراس الأمة، أو حامل همومها والمدافع عن قضاياها، هو قول بائد. ذلك أنّ أدونيس يري اسْتحضار هذا القول من قبيل البكاء علي الأطلال. ذلك أنه يجب أنْ يُنظر إلي الشاعر باعتباره معرفة، لا باعتباره مرآة تعكس واقعا.سادسا، إنّ قصيدة النثر أو " كتابة الشعر. نثرا "، هي تجربة الحواس بامتياز. بمعني؟بمعني أنْ ينتبه الشاعر أكثر للتفاصيل والأشياء، وحتي المهمل والقبيح. عوض الاحتفاء بالقبيلة والزعيم الأوحد. فأنْ تكتب شعرا، هو أنْ تُخرج الأشياء من صمتها أنْ تجعلها تتكلم. والشعر يحيل القارئ إلي ما تقوله الأشياء " (24)ولما تتكلم الأشياء عبر نافذة قصيدة النثر، إنما تتكلم بملء قوتها وبكثافة حضورها وأن قصيدة النثر باعتبارها فضاء رحبا متسعا وممتدا في اللغة والكلمات وامتداد السواد علي بياض الورقة... يجعل من الأشياء لها قدرة فائقة علي التجلي والقول والتعبير. فشكل قصيدة النثر يمنحها إمكانيات متعددة للقول تفوق ما لغيرها من الأجناس(نقصد القصيدة العروضية)وأنا بهذه الملاحظات لا أخلق مفاضلة أو ترتيبا، وإنما أقدّم رؤية حاضرة كما أراها.فقصيدة النثر لن تسْكن " في أيّ شكل، وهي جاهدة أبدا في الهروب من كل أنواع الانحباس في أوزان أو إيقاعات محدودة. بحيث يتاح لها أنْ توحي بالإحساس بجوهر متموّج لا يدرك إدراكا كليا ونهائيا.لم يعد الشكل جمالا وحسب. ففكرة الجمال بمعناها القديم ماتت (..) إنّ وقع القصيدة كلها: لغة غير منفصلة عما تقوله، ومضمون ليس منفصلا عن الكلمات التي تفصح عنه.فالشكل والمضمون وحدة في كلّ أثر شعريّ، ويأتي ضعف القصيدة من التفسخات والتشققات التي تسْتشفّ في هذه الوحدة " (25)وإن كان مثل هذا التعريف لقصيدة النثر لا زال غامضا وزئبقيا، فذلك يعود لتشتت المعني وعدم اكتمال تجربة كتابة قصيدة النثر.فأدونيس يقدّم تعريفا في كلّ مرة، ليلحقه بآخر حول الإيقاع أو البناء أو الموسيقي أو الشكل أو... وحتّي تكتمل الصورة علينا بجمع التعريفات التي بالضرورة يتعارض بعضها مع تعريفات أخري قدمها يوسف الخال والماغوط وأنسي الحاج تنضاف إليها تعريفات قدمها بعض النقاد.ونعتقد أنّ خير ما يمكن اعتماده لتأثيث تعريف أقرب للعلمية، هو النص. فالتراكم الكمي ينتج حتما تنوعا كيفيا.لكن من قال أنّ قصيدة النثر تحتاج تعريفا دقيقا وصارما، أليس اللاتحديد هو تعريفها؟


الهوامش:
1ـ عز الدين المناصرة: اشكاليات قصيدة النثر، المؤسسة العربية للدراسات والنشرـ الأردن 2002، ط1، ص 35.
2 ـ عبد الرحمان محمد القعود: الإبهام في شعر الحداثة، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ـ الكويت، مارس 2002، ص 205.
3ـ عز الدين المناصرة، نفس المصدر السابق، ص 29.
4 ـ عز الدين المناصرة، نفس المصدر السابق، ص 30.
4 ـ عبد الرحمان محمد القعود، نفس المصدر السابق، ص 31.
5 ـ نفس المصدر السابق، ص 31 .
6 ـ نفس المصدر السابق، ص 31 .
7 ـ نفس المصدر السابق، ص 32 .
8 ـ أدونيس : زمن الشعر، دار العودة ـ بيروت ، ط3، ص 173 .
9 ـ أحمد عبد المعطي حجازي: قصيدة النثر أو القصيدة الخرساء، صدر عن مجلة دبي الثقافية ـ الإمارات العربية المتحدة، نوفمبر 2008، ط1، ص 37.
10 ـ عبد الرحمان محمد القعود: نفس المصدر السابق، ص 181.
11 ـ أحمد بزون : قصيدة النثر العربية، دار الفكر الجديد ـ بيروت 1996، ط1، ص 96 .
12 ـ أدونيس : تنبأ أيها الأعمى، دار الساقي ـ بيروت 2003، ط 1 .
13 ـ محمد لطفي اليوسفي : في بنية الشعر العربي المعاصر، دار سيراس للنشر ـ تونس 1985، ص 148 .
14 ـ نفس المصدر السابق .
15 ـ جريدة الحياة اللندنية : 01 جانفي 2001 .
16 ـ أحمد عبد المعطي حجازي: نفس المصدر السابق، ص 65 .
17 ـ أحمد بزون : نفس المصدر السابق، ص 62 .
18 ـ جريدة الحياة اللندنية : 01 جانفي 2001 .
19 ـ أحمد بزون : نفس المصدر السابق، ص 25 .
20 ـ سوف عبيد: حركات الشعر الجديد بتونس، إصدارات جريدة الحرية ـ سبتمبر 2008، ط1، ص 83.
21 ـ أحمد بزون : نفس المصدر السابق، ص 25 .
22 ـ مجلة الحياة الثقافية : " حوار مع شربل داغر"ـ ديسمبر 2002، ص 99 .
23 ـ عز الدين المناصرة، نفس المصدر السابق، ص 29.
24 ـ جريدة الحياة اللندنية : 01 جانفي 2001 .
25 ـ أحمد بزون : نفس المصدر السابق، ص 47 .
26 ـ أحمد بزون : نفس المصدر السابق، ص 96 .

السبت، 15 مايو 2010

مجلة " إلــــــى" الهولندية

( القدس العربي / ا لعدد6510)

صدور العدد الأول من مجلة ' إلى' الثقافية
5/15/2010
صدور العدد الأول من مجلة ' إلى' الثقافية لندن ـ ' القدس العربي': عن ' مؤسسة كروس أوفر' للثقافة والفنون صدر العدد الأول (أيار/ مايو 2010) من مجلة ' إلـــــــى'، وهي مجلة إلكترونية تعنى بالفن المعاصر والكتابة ، هدفها النهوض بحوار إبداعي بين الثقافات من خلال ترسيخ لغة مغايرة في الكتابة والنص البصري، وفتح ملفات تفعل مساحات الحوار وتشرع نوافذ للنظر إلى القادم من الأسئلة وتكريس هاجس اللحظة وقياساتها. وتصدر المجلة باللغات العربية والانكليزية والاسبانية والهولندية.يحررها الكاتب والفنان التشكيلي علي رشيد .
وتتشكل هيئة التحرير من:
الفنانة التشكيلية والمعمارية كيتا باردول /الكاتب عادل حوشان /الفنان التشكيلي مظهر أحمد/ الكاتب د. مجيد إبراهيم خليل /الشاعر د. محمد حلمي الريشة /
كما تساهم في تحريرها وهيئتها الاستشارية نخبة من الفنانين والكتاب، ومن دول عدة، منهم:
الناقد الفنان التشكيلي علي النجار من السويد/ والكاتب الشاعر عيد الخميسي من السعودية/والفنان التشكيلي د. كاظم نوير من العراق/ومن فرنسا الفنان المسرحي سمير عبد الجبار/ومن لندن الفنان التشكيلي عبد الأمير الخطيب/ والفنان السينمائي علي الحمداني من الدنمارك/والفنان التشكيلي منير حنون من اسباني/ والكاتب محمد أحمد بنيس من المغرب/ والشاعر المهدي عثمان من تونس.
و تصدر المجلة باللغات العربية والانكليزية والهولندية والاسبانية. وعن ' إلـــــى' وتسميتها نقرأ: (يقينا ان أي عبور سيقود إلى، وها نحن نحاول العبور عبر هذا الجهد الثقافي إلى شساعة لا يمكن عبرها تحديد فحوى العبور ولا مقاصده، لأننا نرى أن الفن بشموليته لم يعد معبرا لفتنة صامتة ولا لقيمة جمالية فحسب، بل هو اليوم محرك أساس لليومي، وله موقف ومساس في فحوى الانشغالات الفكرية والحياتية والمصيرية التي تشغل الكائن، الذي تحاول الكثير من النوازع والقوى عبر مساراتها العنيفة وخطاباتها المراوغة سحق هذا الكائن وتهميشه، بل وترويضه للقبول بضبابية الصورة والانتكاص لها كمعادلة وحيدة، فالفن هو المعادلة الأكثر نقاء، والخطاب الأكثر معرفية، والنسغ الذي يغذي الكائن بقيامته الفكرية ويرسم مساره المعرفي، ويحشد طاقاته الثقافية ليقف في وجه هذا الخراب، وليعيد صياغة الصورة لتتشكل بعوالم جديدة، ننقاد عبر بهجتها إلى يقين يتشكل عبر فحوى العبور، ها نحن نحاول أن نتلمس معابر الفن للوصول إلى........ ).تضمن العدد الأول العديد من المواد، ففي القسم العربي، وفي مجال الفن التشكيلي نقرأ: (الهجرة المستحيلة التشكيل مثلا) للناقد والفنان علي النجار، (عالم متغير) للناقد والفنان طلال معلا، (الحداثة والفن التشكيلي العراقي) للفنان د. كاظم نوير،(قوة العناصر وخلود الاشياء) للفنان علي جبار، (خلفيات الصور ليس إلا) للفنان محمد الشمري، (بورتريت) و (الدلالة البصرية وسعة التأويل) للكاتب والفنان علي رشيد، (رحلة 1) للفنان وليد رشيد القيسي (عبد الوهاب العوضي ينتصر للإنسان ولعوالمه الداخلية) محمد النبهان. وفي مجال المسرح (غجر عرب) بحث للفنان حازم كمال الدين، أما في باب ' الترجمة' فنقرأ (قصيدتان للشاعر الأمريكي المعاصر فيليب تيرمان) ترجمة وإعداد الكاتب والمترجم صالح الرزوق، كما نقرأ عن الكاتب المعروف ألان سيليتو الذي توفي قبل أيام مقالا بعنوان (مساحات للنزاع) بقلم جيمس كامبيل، وترجمة الكاتب والمترجم صالح الرزوق، (في القطار مع انطونيو ماتشادو) وهي قصيدة بالاسبانية حائزة على جائزة أنطونيو ماتشادو الأدبية لعام 2009، كتبها وترجمها للعربية الشاعر عبد الهادي سعدون. واحتوى العدد على العديد من النصوص منها: (زوربا) للشاعر أديب كمال الدين، (جنازة عمياء) للشاعر محمد أحمد بنيس، (في بغداد لا تنام النساء) للشاعرة فرات إسبر، (قصتان) للشاعر والقاص حميد العقابي، (بقاياي تستعاد على يديك) للشاعر عبد الحميد الصائح، (الشعر لحوار بين الحضارات) للشاعر محمد حلمي الريشة، (امرأة من خيال) للشاعرة فاطمة الزهراء بنيس، (ديوان الحريك) للشاعر بن يونس ماجن، (أمواج) للكاتب د.سامي عبد الستار الشيخلي، (كاهن ثور، الآباتشي) للشاعر المهدي عثمان، (سماء زرقاء) للشاعر خالد السنديوني، (نصوص) للشاعر عيد الخميسي، (لا أحد يعيب لأن وقتهم ما انتهى) للشاعر قيس مجيد المولى، (قصص قصيرة جدا) للكاتب عبدالله المتقي، (المعجزة ) للشاعر ماجد مطرود، (بك استدرج الكلمات الى القراطيس) للشاعر هيثم الطيب. كما احتوى العدد على بحث بعنوان (يخبئ في وجدانه الشوق والقلق) للكاتب شعيب حليفي، ومتابعة لمجموعة الشاعر مجدي بن عيسى (الإنساني في مرايا اليومي) للكاتب أمين الغزي. وتضمن القسم الانكليزي العديد من المواد منها: (بورتريت لمظهر أحمد) للفنانة ماريا فيفروا، (خلفيات الصور ليس إلا) للفنان محمد الشمري، (ميريام) للكاتبة منى العجمي و (هل رأيتني ؟ كنت أمشي في الشارع) للكاتبة هناء حجازي، ترجمة الكاتبة هيلة الخلف، (أنا مجرد غريب آخر) للشاعر بن يونس ماجن، (الصباح مبتسما لكنه لا يراني) للشاعرة فرات إسبر، ترجمة عادل صالح، (الثقافة الثالثة) و(قصة ما بعد الحداثة) للفنان عبد الأمير الخطيب، (وطني) للشاعرة فرات إسبر ترجمة الكاتب أسامة إسبر. أما المواد في القسم الإسباني فهي: (معرض للفوتوغرافي علي حنون) للناقد رامون كونزالس، (في القطار مع انطونيو ماتشادو) للشاعر عبد الهادي سعدون، (جنازة سييغو) للشاعر محمد أحمد بنيس، (قصائد) للشاعرة فاطمة الزهراء بنيس ترجمة الشاعر محمد أحمد بنيس. أما في اللغة الهولندية فنقرأ: (الثقافات الجديدة) للكاتب والمترجم يان ياب درويتر، (جغرافية الفن) للفنان نيكو هيميلار، (قصائد المناحة) للشاعرة رشا خليل،(مسرحية الرحلة) للفنان حازم كمال الدين (ذاكرة الصهيل) و(قصائد) نصوص للشاعر علي رشيد ترجمة كيس نايلاند ويان ياب درويتر. كذلك احتوى العدد على مادة (كتاب الفنان) و(كتاب الكاتب)، وكان كتاب الفنان بعنوان (أنشودة المطر) للشاعر الراحل بدر شاكر السياب، تنفيذ الفنان محمد الشمري، أما كتاب الكاتب فكان بعنوان (البوادي) للشاعر عيد الخميسي، كما أن هنالك عرضاً لمجموعة من أعمال الفنانين التشكيليين في غاليري الموقع، وكذلك معرض شخصي، وهي مساحة لعرض أعمال لفنان العدد، وقد اختير الفنان الايطالي باولو سيسيلي ليكون فنان العدد الأول.
يمكن تصفح المجلة على الرابط