مرحبا بك في مملكة الورد

مرحبا بكم في مملكة الورد

صديقكم المهدي عثمان

قصور الساف / تونس



الجمعة، 29 أبريل 2011

مؤسسات دور الشباب : من حضن بن علي إلى دهشة الثورة




لا يختلف اثنان في أنّ أكثر القطاعات التي كانت حضنا دافئا لأفكار التجمع اللادستوري اللاديمقراطي، هي مؤسسات دور الشباب. المؤسسات التي ـ باسم الشباب ـ وظّفت أحسن توظيف من قبل السلطة ومليشياتها وإطاراتها، ابتداء من رئيس لجنة حيّ وصولا إلى أعلى إطار في السلطة أو في الحزب الحاكم.
فمن منطلق ديماغوجي، يوحي بأنّ بن علي يبني سياسة الدولة على الدور الفاعل للشباب ومتطلباته ورغباته، عبر الاستشارات .. باعتبار أنّ هذه الفئة هي القاعدة الأعرض والأكثر أهمية.
فكانت توظف مؤسسات دور الشباب ـ وبتواطؤ من قبل بعض إطارات الشباب ابتداء من المنشط، وصولا إلى الوزير ـ توظف للتصفيق و التهليل والمباركة و المناشدة.. و لعبت دورا فاعلا في إقصاء الفكر المختلف يمينا ويسارا، حفاظا على الأمن العام والوحدة الوطنية. ومن الطرائف أن مؤسسات دور الشباب اتهمت بعدم القيام بدورها أثناء أحداث سليمان سنة 2006
وكانت كل اللافتات والتظاهرات والشعارات البنفسجية ترحب بالمسؤول وتبارك توجهات فخامته، أمام ابتسامات المندوبين الجهويين وأتباعهم من بعض التجمعيين. ويدعم ذلك ما ينظر له سلك التفقد من أفكار ما أنزل الله بها من سلطان، حول المرجعية الفكرية للقطاع على رأسها خطابات الرئيس المخلوع.( رئيس أجهل من حذائه) يجتمع بنا المتفقدون متباهين بولائهم ونظرياتهم التي لا يأتيها الباطل من أمامها و لا من خلفها.
أما العمل النقابي فحدّث ولا حرج، فهو من الموبقات. ومن العبث الطفولي الذي لا داعي له. فالقطاع يعتبر الابن المدلل للسلطة. ولكنه في الواقع لا أهمية له ولا مكانة في الخارطة الثقافية والشبابية للدولة.
فرغم أنّ هذه المؤسسات هيّ المنفذ الأول وربما الأوحد ـ في بعض الأحيان ـ للبرامج والمرجعيات التجمعية، ابتداء بذكرى السابع من نوفمبر " المجيدة" وصولا إلى الاحتفال بيوم القابلة، مرورا على إرسال برقيات الولاء والمناشدة... حتى بمناسبة بناء ملعب رياضيّ.
فرغم ذلك إلا أنّ هذه المؤسسات تُصنّف في آخر اهتمامات السلطة وفي كل خطابات وزير الشباب والرياضة.
أما الآن وقد حدثت ثورة 14 جانفي، فإن قناعتي زادت رسوخا ودعّمت ما كنت أعتقده. حيث اتّضح أنّ مؤسسات دور الشباب لا علاقة لها بالشباب أصلا. وأنّ ما كانت تفعله ليس شيئا آخر غير تجميل المشهد ببرامج أقل ما يقال عنها أنها بدائية ولم تواكب التحولات المعلوماتية والثقافية. ومازالت تقتصر على أنشطة الرسم على الحرير والبلور وكرة الطاولة وكرة القدم والأمسيات الراقصة التي كرست الرداءة.
لهذا أصابت إطارات الشباب صدمة .. بل دهشة حضارية (ليست دهشة هيدجير ) نتيجة عدم الوعي بالتحولات والجهل الذي كان يحيط بالقطاع من بعض المنشطين والمديرين والمندوبين والمتفقدين وحتى الوزراء.
هذه الصدمة، أبقتْ هذا القطاع على دهشته، ولم يتحرك قيد أنملة.
كلّ القطاعات الحية انتفضت مع الانتفاضة، واحتجت وصرخت واعتصمت وأضربت .. إلا القطاعات الميّتة، ومنها هذا القطاع الذي كان من المفروض أن يكون أول المنتفضين، لأنه يحمل أسم الشباب ويتوجه بنتاجه إليه.
فالمنتبه لهذه الصدمة، يذهب في اعتقاده أن مؤسسات الشباب لا مشاكل لها، ولا تعاني ما تعانيه قطاعات أخرى، ولكن العكس هو الصحيح. ذلك أن مشاكل هذا القطاع يمكن تلخيصها في التالي:

القانون الأساسي:

هذا القطاع الذي ـ ومنذ بعثه للوجود ـ يُلقى به من وزارة إلى أخرى، فمرة وزارة الرياضة وأخرى الثقافة، وثالثة الطفولة، وربما قد يجد القطاع نفسه مع الفلاحة أو السجون.
وفي كل نقلة تحضر الفوضى والضبابية في التعامل وسوء التصرّف المالي والإداري. فمرة تصرف ميزانيات المؤسسات للمندوبيات وأخرى للمجلس الجهوي، وبين هذا الخيار وذاك تختلف أشكال الصرف وتتعقد حتى بين جهة وأخرى.
كل هذا وذاك ـ وفي غياب قانون أساسي للقطاع ـ منح لسلطة الإشراف على اختلافها وتسلسلها الإداري، اجتهادات لا تصيب في أغلب الأحيان. وهذا ما منح لكل السلط التدخل في تسيير دار الشباب، ابتداء من العمدة إلى كاتب عام لجنة التنسيق، وصولا إلى أعلى رتبة حزبية أو سياسية.

البنية التحتية:

و أنت تتجول في مؤسسات دور الشباب، تصطدم بالبنية البائسة لعديد المؤسسات، حتى أنّ بعضها أشبه بسجن من ثلاثة غرف وملعب ترابي لا علاقة له بالرياضة ولا بكل الشعارات التي كانت ترفع حول الرياضة للجميع. و يحيط بهذه المؤسسات سور متداع، وكثيرا ما لا تجد لها بابا، وإن وجد فدون قفل يحميها من الاعتداء.
هذا التهميش جعل هذه المؤسسات عرضة للسرقات والاعتداءات، خاصة إذا علمنا أن أغلبها دون حارس ليليّ.
وإذا علمنا أنّ العقد الذي يربط وزارة الإشراف بكل البلديات، يفرض على كل بلدية توفير حارس ليلي أو عامل بدار الشباب. وإن توفر الشرط في بعض البلديات الكبرى أو لبعض المؤسسات التي يعرف مديرها بالولاء الحزبي، فإنّ باقي المؤسسات غير معنية ومهمشة، خاصة مع تنامي عجز البلديات.

ميزانيات المؤسسات:

إنّ الحديث عن ميزانية دار الشباب، أشبه بالحديث عن إرسال معونة إلى السلطة الفلسطينية، بل أعقد من ذلك بكثير.
ففي ولاية المهدية مثلا، يقع إعداد ميزانيات المؤسسات من قبل كل المديرين وإرسالها إلى المندوبية الجهوية للشباب والرياضة، منذ الثلاثة أشهر الأخيرة من كل سنة، ومعها الأثاث المراد اقتناءه بالتفصيل. ويبقى مدير المؤسسة ينتظر إلى شهر ماي أو جوان من السنة المقبلة. وفي كل هذه المدة تمتد المفاوضات والاتصالات والخلافات، بين الإطار المالي بالمندوبية ومراقب المصاريف العمومية، الذي يجهل جهلا تاما طبيعة القطاع، فيحدث بينه وبين الإدارة الكثير من الخلاف وسوء الفهم. مما ينعكس سلبا على سير المؤسسات التي لم تفهم إلى الآن لماذا تسير الأمور بشكل جيد في جهات أخرى وتتعطل في ولاية المهدية؟
وقد يتواصل صرف الميزانية إلى أشهر جوان أو جويلية، حيث يشرع الإطارات في التمتع بعطلهم السنوية. ويصبح لا جدوى منها (الميزانية) في علاقة بنشاط تلك السنة التربوية. هذا إضافة إلى أنّ المقتنيات المجمّعة، قد تكون تالفة أو غير أصلية (مقلّدة) أو أسعارها مشطة أو غير مطابقة للمواصفات التي طلبها الإطار (وهذا حصل أكثر من مرّة مع المندوب السابق) بسبب العراقيل التي عادة ما يتسبب فيها مراقب المصاريف العمومية.
لهذا تطالب كل الإطارات ـ وهذا مطلب قديم متجدد ـ بإعادة ميزانيات التسيير إلى مؤسسات دور الشباب، مع تشديد المراقبة.

الإطار الإداري:

أمام السياسة الضبابية نحو هذا القطاع ـ ساهم فيها بعض المشرفين من الميدان نفسه ـ أصبح مدير المؤسسة الشبابية منفذا لسياسة تجمعية، لا قدرة له على مناقشتها طالما أنّ قطاع التفقد يتبجح بأنّ المرجعية الأولى للقطاع هي خطابات رئيس الجمهورية.( إذا كان الغراب دليل قوم، مرّ بهم على جيف الكلاب)
وهذا الإطار الذي فرضت عليه أحيانا أن يقوم بحصص تنشيطية في الليل أو في سهرات رمضان، دون وجه قانوني أو ضمانة تشريعية. و أحيانا بإذن من والي الجهة دون أن تكون للمندوب القدرة على الاعتراض.
و هذا الإطار الذي يجبر أحيانا على أن يقوم بدور المنظف ـ في ظل عدم وجود عملة ـ يتقاضى منحة إدارة لا تتجاوز الثلاثين دينار (إدارة وسكن ) يخجل موظف تونسيّ أن يستلمها. مع العلم أنّ وزارة الإشراف تملصت من صرف منح الإدارة لعشرات المديرين ولمدة فاقت الخمس سنوات، دون وجه حق و بتعلات واهية.
أما بقية المؤسسات المُحدثة لاحقا ضمن سياسة هامشية تعبويّة، مثل مؤسسة تنشيط الأحياء كثيفة السكان وحافلات الإعلامية.. فإنها ما زالت دون قانون وأدوارها غير واضحة، بل مهمشة.
أما التنشيط الريفي، فحدّث ولا حرج عن مخاطر الطريق وصعوبات التواصل، ومنح تنقل لا يمكن لأحد أن يثبت معناها ودواعي منحها (أسبوع تنقل، يمنح للإطار ثلاثة تنقلات فقط، وربما تجد خلاف ذلك في جهات أخرى).
و في كل مرّة تتكرّم الإدارة العامة للشباب ببرامج جديدة و وثائق لم تستقر على شكل منذ سنوات. وها حصلت الثورة التي ستجبر الإدارة على إعادة النظر في وثائقها وبرامجها وأنشطتها وربما مناشيرها. مع اعتذار سلك التفقد عن كل الأخطاء التي حصلت من قبلهم (بعضهم) تجاه الإطار التربوي، مع ضرورة قيامهم بأدوارهم في كنف الشفافية والعدل والمساواة بين الجهات والمؤسسات والإطارات.
فإضافة إلى كون بعض الجهات تبقى دون متفقدين لمدة طويلة، فإن حضور بعضهم لا يضيف شيئا، بل يدعم المحاباة والمحسوبية في إسناد الأعداد أثناء زيارات التفقد.
من ذلك أنّ بعض الإطارات لم تسند لها أعداد منذ ما يزيد عن ثماني سنوات، وهذا يستدعي ردّ الاعتبار لهؤلاء الإطارات. مع العلم أنه ثمة منشور يجبر المتفقد على منح الإطار عددا كل سنتين ( منشور عدد 2 بتاريخ 15 جانفي 2005)
إنّ هذا القطاع الذي ارتبط بسياسة بن علي وترعرع في أحضان حزبه البائد، وجد نفسه الآن أمام دهشة الثورة وتحولاتها.و لم يجد إطاراته ذرة كرامة كي يطالبوا يحتجّوا و ينددوا... لأنهم لا زالوا تحد تأثير الصدمة. وأن الشباب الذي كانوا يؤطرونه ليس إلا خدم التجمع وأبناء الشباب الدستوري وبعض المنظمات الموالية. لهذا لا بدّ من تفعيل مشروع القانون الأساسي المطروح منذ سنوات وإخراجه إلى النور، حتى يتهيكل هذا القطاع، ويعمل في ظل الشرعية بعيدا عن التهميش وسياسة الإرباك.



المهدي عثمان