مرحبا بك في مملكة الورد

مرحبا بكم في مملكة الورد

صديقكم المهدي عثمان

قصور الساف / تونس



الجمعة، 29 أبريل 2011

نظام التصويت على القائمات: طريق إلى المجهول السياسي



جريدة الدولية / العدد الثامن ـ الخميس ೨೮ أفريل 2011




أثناء الجدل الذي أنتجته التحولات السياسية في تونس بعد 14 جانفي، لاح بصيص من أمل تمخّض عن تكوين الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي. هذه الهيئة التي صاحب تكوينها الكثير من التشكيك والتخوين، خاصة على مستوى التمثيلية ومستوى سيطرة الأحزاب السياسية على مكوناتها. مع ذلك حصل تواطؤ متبادل بين الشارع السياسي التونسي من جهة، والهيئة من جهة أخرى، مفاده أن هذه الأخيرة وإن لم يحصل حولها الإجماع التام، إلا أنها مثلت خطوة هامة نحو تحقيق أهداف الثورة التونسية، وذلك باعتبارها الخطوة الأهم نحو انتخاب المجلس التأسيسي الذي كان أهمّ مطلب شعبيّ منذ الأسابيع الأولى للثورة.
غير أن التململ الحاصل حول تمثيليتها، مهّد لهيمنة حزبية وفق اعتبارات ضيّقة و مصلحية، يطغى عليها ذهنية المزايدات ومصلحة الأحزاب، عبر إغراق تركيبة الهيئة بعناصر تخدم هذا التوجه. ذلك أنه تم الترفيع في عدد أعضاء الهيئة من 71 إلى 130 عضوا.
وإن مرّ هذا الإغراق دون إثارة تذكر عدا بعض الأصوات الشاذة، إلا أنّ ما أقرته الهيئة يوم 24 أفريل بالمصادقة على المرسوم الخاص بتنظيم انتخابات المجلس التأسيسي، أثار الكثير من اللغط والحبر والجدل السياسي، وصل حدّ التخوين والتكفير والاحتقار.
وقد ذهب أحميدة النيفر وهو يعلن استقالته من الهيئة إلى التأكيد على " هيمنة جوّ حزبيّ استقطابي موجه يغلب عليه التفكير والعمل وفق اعتبارات ضيّقة واحتكام إلى المزايدات" وهذا كان جليا بعد الإعلان عن نظام الاقتراع على القائمات، الذي كشف أهميّة وخطورة العمل الذي قامت به الأحزاب لضرب المستقلين. بتعلّة أنّ نظام الاقتراع على الأشخاص من شأنه أن يدعم حضور المال السياسي، وبالتالي عودة أنصار حزب التجمع الدستوري الديمقراطي من النوافذ بعد أن خرجوا من الأبواب، هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى يذهب أصحاب هذا الرأي إلى أنّ التصويت على القوائم يقلل من نسبة الأصوات التي من المتوقع أن يظفر بها حزب النهضة، كما يدعي بعض " التقدميين".
إلا أن هذا الخيار على أهمية المخاوف التي طرحها مؤيدوه، لا يجعلنا نقتنع أنّ نظام التصويت على القوائم أكثر ديمقراطية وتمثيلية من نظام التصويت على الأفراد. رغم ما يتبجحون به من مصطلحات " المناصفة" و " التداول " و" أكبر البقايا"، التي تدافع عن النسب المهمشة من الذين لم يقع تمثيلهم.
إن المتأمل في هذا النظام، يقف عند الكثير من المزالق، لعلّ أهمها:
ـ خدمة الأحزاب لا غير، وإقصاء الطاقات المستقلة ذات الكفاءة، والتي لا يمكنها أن تتنظم في قائمات، باعتبار أنّ رئيس القائمة ـ دائما ـ له أوفر الحظوظ في الوصول إلى كرسيّ المجلس التأسيسي. وحتى لما يدعي مدّعي أنّ هذا النظام الانتخابي يخدم الأحزاب الصغرى، فتلك مصيبة أخرى. مصيبة تجعل مصير البلاد والعباد في يد تنظيمات لا تتوفر على مرجعيات سياسية، ولا تاريخ نضالي لها. كما أن وصولها إلى المجلس قد يكون مجرّد صدفة، باعتبار أنّ المواطن التونسي ـ وأمام جهله بهذه الأحزاب ورموزها ـ قد يجد نفسه مضطرا إلى أن يختار أحدى القوائم من باب المشاركة في العملية الانتخابية لا غير.
ـ من ناحية ثانية، يساهم هذا النظام الانتخابي في حشو أسماء في قوائم لتجميل المشهد السياسي، ذلك أن أغلب القائمات لا يمكن أن تظفر بأكثر من مقعدين. و هذا يجعل من الأحزاب تعمد إلى طرح قوائم تعول على اسمين أو ثلاثة أسماء في أحسن الأحوال وأهمها رئيس القائمة. أما بقية الأسماء فهي ديكورا سياسيا.
ـ إن فكرة المناصفة والتداول ـ على أهميتها ـ تعود بنا إلى عهد الوصاية على المرأة باعتبارها كائنا ناقصا تعوّل على الرجل لدفعها نحو المشاركة في الشأن العام. كما أن هذا الخيار يدعم دونيّة المرأة، ذلك أننا ـ وإذا استثنينا الحزب الديمقراطي التقدمي إذا شاءت أمينته العامة الترشح ـ سنجد كل المترشحات في مرتبة ثانية و رابعة و سادسة على القوائم، تكريسا لنظام باطرياركي لا زال حاضرا في ذهنية السياسي التونسي.
وحتى لو جاء اسمها على رأس القائمة، فإنّ الوضع داخل الأحزاب يجعل من تلك الفكرة مجرد نكتة. فالمرأة ليست ممثلة في المكاتب السياسية للأحزاب، وحتى المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل لا توجد امرأة داخل تركيبته، بل المثير للسخرية أن المكلف بالمرأة العاملة هو السيد المنصف اليعقوبي.
و حتى إن وجدت المرأة في القائمات الانتخابية، فإن وجودها سيكون مجرّد حشو وديكور سياسي.
إن من راهن على هذا الخيار للإبقاء على مكتسبات المرأة ضدّ الحركات الظلامية، سيكتشف أن تلك الحركات ستكون ممثلة بنسبة نساء أكثر من الأحزاب التقدمية، لأن تلك الأحزاب مرّت منذ الأيام الأولى للثورة نحو العمل الميداني والاستقطاب، فيما عولت الأحزاب الأخرى على التنظير والخلافات الإيديولوجية والمهاترات التي لا مجال لها الآن.
ـ إن نظام التصويت على القائمات سيجعل منها ( القائمات ) وكرا لاختفاء المشبوهين الذين ـ ربما ـ قد يمرون إلى المجلس. لهذا نفهم الآن المزايدات التي تدور حول التجمعيين من غير المسؤولين الحزبيين، لضمهم لهذا الحزب أو ذاك. وكلنا دهش لموقف حزب النهضة من إمكانية استيعاب أولئك التجمعيين.
حيث أعلن شيخ الحركة السيد راشد الغنوشي لقناة الجزيرة القطرية، أنه لا مانع لحركته من استقطاب التجمعيين، ونفس الشيء صرح به عضو المكتب التنفيذي للحزب الديمقراطي التقدمي أحمد بو عزي، وربما يتبنى نفس الفكرة عديد الأحزاب الأخرى، لما للتجمع المنحل من ثقل كان يمثله.
ـ إن نظام التصويت على القائمات من الخطورة بحيث قد يجعل الفعل الانتخابي مجرّد حركة لا معنى لها عند أغلب الشعب التونسي الذي لا يعرف لهذه الأحزاب تاريخا أو برنامجا، عدا عدد من الأحزاب لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة. ومن ادّعى عكس ذلك، فإنه يقصد الطبقة المسيّسة . و حتّى لو ذهبنا مع بعض الأحزاب إلى تأجيل الانتخابات، فإنّ تأجيلها ثلاثة أو أربعة أشهر، لا يمكّن المواطن من فهم هذه الأحزاب والإطلاع على برامجها، وحتى على مكتبها السياسي.
ـ إنّ نظام التصويت على القائمات سيجعل من الممكن وصول أحزاب ظلامية ورجعية إلى المجلس التأسيسي بحجم يضع المشهد السياسي التونسي في مأزق يصعب الخروج منه، وقد يقودنا هذا المأزق إلى مشهد دموي على غرار ما حدث في ديمقراطيات ناشئة ـ حينها ـ مثل الجزائر .
فحزب كالنهضة ـ مثلا ـ وهو أهم الأحزاب السياسية الفاعلة على الساحة الآن ـ من حيث الاستقطاب والحضور ـ قد يلجأ إلى الترشح عبر القائمات وعبر الأشخاص. ذلك أنه من الممكن أن تنحو هذا المنحى في عديد الجهات، في حين أنه من المستبعد ـ بل من المستحيل ـ أن يترشح حزب بقائمة حزبية وأخرى مستقلة.
إنّ الإصرار على نظام التصويت على القائمات، يجعلنا نتساءل عن المساومات والمزايدات التي حصلت في الهيئة العليا. حتى و إن كان الاتفاق على ذلك المرسوم بالإجماع. و حتى وإن كرر أكثر من عضو أن دور الهيئة استشاريّ لا غير. فلماذا لا يقع عرض هذا المشروع على الاستفتاء لفك الاعتراف وكسب مزيدا من الشرعية؟
أما ما يثار حول شروط التصويت وطرقها، فهي مسألة مفرغة من محتواها. و يمكن بأمر أن تتشكّل هيئة وقتية لتنظيم الاستفتاء. و إن كانت هذه الهيئة الوقتيّة " غير شرعيّة "، فإنّ ما سينتج عن الاستفتاء سيكون شرعيا.
ثم لماذا قبلنا بالهيئة العليا وقد تشكلت عن طريق مرسوم رئاسيّ، ولا نقبل هيئة انتخابات، لتنظيم الاستفتاء بمرسوم مماثل؟
وهذا التناقض ما أشار إليه أحميدة النيفر بقوله: " أدعو الحكومة المؤقتة إلى استشارة شعبية وتشاور مع لجنة حكماء مستقلين لإقرار خيار أنسب لمستقبل البلاد يقيها الوقوع من جديد في براثن دكتاتورية أطراف ترفض التعدد و تمقت الاختلاف "

إن الفصل 16 من مرسوم انتخابات المجلس التأسيسي، لم يرق إلى مستوى طموحات الشعب التونسي، الذي بقي مذهولا وغير مستوعب لطريقة الاقتراع على القائمات، خاصة لما تعمد أحد البرامج التلفزية إلى توضيح طرق احتساب الأصوات التي تستدعي من المواطن التونسي أن يكونا ملما إلماما كاملا ودقيقا بمجريات الأحداث و بالخارطة السياسية التونسية التي ما زالت إلى الآن ضبابية وغير مكتملة.
إذن ننتظر 24 جويلية لتكتشف هل قادتْنا الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي إلى الأمان أم إلى الهاوية؟


مؤسسات دور الشباب : من حضن بن علي إلى دهشة الثورة




لا يختلف اثنان في أنّ أكثر القطاعات التي كانت حضنا دافئا لأفكار التجمع اللادستوري اللاديمقراطي، هي مؤسسات دور الشباب. المؤسسات التي ـ باسم الشباب ـ وظّفت أحسن توظيف من قبل السلطة ومليشياتها وإطاراتها، ابتداء من رئيس لجنة حيّ وصولا إلى أعلى إطار في السلطة أو في الحزب الحاكم.
فمن منطلق ديماغوجي، يوحي بأنّ بن علي يبني سياسة الدولة على الدور الفاعل للشباب ومتطلباته ورغباته، عبر الاستشارات .. باعتبار أنّ هذه الفئة هي القاعدة الأعرض والأكثر أهمية.
فكانت توظف مؤسسات دور الشباب ـ وبتواطؤ من قبل بعض إطارات الشباب ابتداء من المنشط، وصولا إلى الوزير ـ توظف للتصفيق و التهليل والمباركة و المناشدة.. و لعبت دورا فاعلا في إقصاء الفكر المختلف يمينا ويسارا، حفاظا على الأمن العام والوحدة الوطنية. ومن الطرائف أن مؤسسات دور الشباب اتهمت بعدم القيام بدورها أثناء أحداث سليمان سنة 2006
وكانت كل اللافتات والتظاهرات والشعارات البنفسجية ترحب بالمسؤول وتبارك توجهات فخامته، أمام ابتسامات المندوبين الجهويين وأتباعهم من بعض التجمعيين. ويدعم ذلك ما ينظر له سلك التفقد من أفكار ما أنزل الله بها من سلطان، حول المرجعية الفكرية للقطاع على رأسها خطابات الرئيس المخلوع.( رئيس أجهل من حذائه) يجتمع بنا المتفقدون متباهين بولائهم ونظرياتهم التي لا يأتيها الباطل من أمامها و لا من خلفها.
أما العمل النقابي فحدّث ولا حرج، فهو من الموبقات. ومن العبث الطفولي الذي لا داعي له. فالقطاع يعتبر الابن المدلل للسلطة. ولكنه في الواقع لا أهمية له ولا مكانة في الخارطة الثقافية والشبابية للدولة.
فرغم أنّ هذه المؤسسات هيّ المنفذ الأول وربما الأوحد ـ في بعض الأحيان ـ للبرامج والمرجعيات التجمعية، ابتداء بذكرى السابع من نوفمبر " المجيدة" وصولا إلى الاحتفال بيوم القابلة، مرورا على إرسال برقيات الولاء والمناشدة... حتى بمناسبة بناء ملعب رياضيّ.
فرغم ذلك إلا أنّ هذه المؤسسات تُصنّف في آخر اهتمامات السلطة وفي كل خطابات وزير الشباب والرياضة.
أما الآن وقد حدثت ثورة 14 جانفي، فإن قناعتي زادت رسوخا ودعّمت ما كنت أعتقده. حيث اتّضح أنّ مؤسسات دور الشباب لا علاقة لها بالشباب أصلا. وأنّ ما كانت تفعله ليس شيئا آخر غير تجميل المشهد ببرامج أقل ما يقال عنها أنها بدائية ولم تواكب التحولات المعلوماتية والثقافية. ومازالت تقتصر على أنشطة الرسم على الحرير والبلور وكرة الطاولة وكرة القدم والأمسيات الراقصة التي كرست الرداءة.
لهذا أصابت إطارات الشباب صدمة .. بل دهشة حضارية (ليست دهشة هيدجير ) نتيجة عدم الوعي بالتحولات والجهل الذي كان يحيط بالقطاع من بعض المنشطين والمديرين والمندوبين والمتفقدين وحتى الوزراء.
هذه الصدمة، أبقتْ هذا القطاع على دهشته، ولم يتحرك قيد أنملة.
كلّ القطاعات الحية انتفضت مع الانتفاضة، واحتجت وصرخت واعتصمت وأضربت .. إلا القطاعات الميّتة، ومنها هذا القطاع الذي كان من المفروض أن يكون أول المنتفضين، لأنه يحمل أسم الشباب ويتوجه بنتاجه إليه.
فالمنتبه لهذه الصدمة، يذهب في اعتقاده أن مؤسسات الشباب لا مشاكل لها، ولا تعاني ما تعانيه قطاعات أخرى، ولكن العكس هو الصحيح. ذلك أن مشاكل هذا القطاع يمكن تلخيصها في التالي:

القانون الأساسي:

هذا القطاع الذي ـ ومنذ بعثه للوجود ـ يُلقى به من وزارة إلى أخرى، فمرة وزارة الرياضة وأخرى الثقافة، وثالثة الطفولة، وربما قد يجد القطاع نفسه مع الفلاحة أو السجون.
وفي كل نقلة تحضر الفوضى والضبابية في التعامل وسوء التصرّف المالي والإداري. فمرة تصرف ميزانيات المؤسسات للمندوبيات وأخرى للمجلس الجهوي، وبين هذا الخيار وذاك تختلف أشكال الصرف وتتعقد حتى بين جهة وأخرى.
كل هذا وذاك ـ وفي غياب قانون أساسي للقطاع ـ منح لسلطة الإشراف على اختلافها وتسلسلها الإداري، اجتهادات لا تصيب في أغلب الأحيان. وهذا ما منح لكل السلط التدخل في تسيير دار الشباب، ابتداء من العمدة إلى كاتب عام لجنة التنسيق، وصولا إلى أعلى رتبة حزبية أو سياسية.

البنية التحتية:

و أنت تتجول في مؤسسات دور الشباب، تصطدم بالبنية البائسة لعديد المؤسسات، حتى أنّ بعضها أشبه بسجن من ثلاثة غرف وملعب ترابي لا علاقة له بالرياضة ولا بكل الشعارات التي كانت ترفع حول الرياضة للجميع. و يحيط بهذه المؤسسات سور متداع، وكثيرا ما لا تجد لها بابا، وإن وجد فدون قفل يحميها من الاعتداء.
هذا التهميش جعل هذه المؤسسات عرضة للسرقات والاعتداءات، خاصة إذا علمنا أن أغلبها دون حارس ليليّ.
وإذا علمنا أنّ العقد الذي يربط وزارة الإشراف بكل البلديات، يفرض على كل بلدية توفير حارس ليلي أو عامل بدار الشباب. وإن توفر الشرط في بعض البلديات الكبرى أو لبعض المؤسسات التي يعرف مديرها بالولاء الحزبي، فإنّ باقي المؤسسات غير معنية ومهمشة، خاصة مع تنامي عجز البلديات.

ميزانيات المؤسسات:

إنّ الحديث عن ميزانية دار الشباب، أشبه بالحديث عن إرسال معونة إلى السلطة الفلسطينية، بل أعقد من ذلك بكثير.
ففي ولاية المهدية مثلا، يقع إعداد ميزانيات المؤسسات من قبل كل المديرين وإرسالها إلى المندوبية الجهوية للشباب والرياضة، منذ الثلاثة أشهر الأخيرة من كل سنة، ومعها الأثاث المراد اقتناءه بالتفصيل. ويبقى مدير المؤسسة ينتظر إلى شهر ماي أو جوان من السنة المقبلة. وفي كل هذه المدة تمتد المفاوضات والاتصالات والخلافات، بين الإطار المالي بالمندوبية ومراقب المصاريف العمومية، الذي يجهل جهلا تاما طبيعة القطاع، فيحدث بينه وبين الإدارة الكثير من الخلاف وسوء الفهم. مما ينعكس سلبا على سير المؤسسات التي لم تفهم إلى الآن لماذا تسير الأمور بشكل جيد في جهات أخرى وتتعطل في ولاية المهدية؟
وقد يتواصل صرف الميزانية إلى أشهر جوان أو جويلية، حيث يشرع الإطارات في التمتع بعطلهم السنوية. ويصبح لا جدوى منها (الميزانية) في علاقة بنشاط تلك السنة التربوية. هذا إضافة إلى أنّ المقتنيات المجمّعة، قد تكون تالفة أو غير أصلية (مقلّدة) أو أسعارها مشطة أو غير مطابقة للمواصفات التي طلبها الإطار (وهذا حصل أكثر من مرّة مع المندوب السابق) بسبب العراقيل التي عادة ما يتسبب فيها مراقب المصاريف العمومية.
لهذا تطالب كل الإطارات ـ وهذا مطلب قديم متجدد ـ بإعادة ميزانيات التسيير إلى مؤسسات دور الشباب، مع تشديد المراقبة.

الإطار الإداري:

أمام السياسة الضبابية نحو هذا القطاع ـ ساهم فيها بعض المشرفين من الميدان نفسه ـ أصبح مدير المؤسسة الشبابية منفذا لسياسة تجمعية، لا قدرة له على مناقشتها طالما أنّ قطاع التفقد يتبجح بأنّ المرجعية الأولى للقطاع هي خطابات رئيس الجمهورية.( إذا كان الغراب دليل قوم، مرّ بهم على جيف الكلاب)
وهذا الإطار الذي فرضت عليه أحيانا أن يقوم بحصص تنشيطية في الليل أو في سهرات رمضان، دون وجه قانوني أو ضمانة تشريعية. و أحيانا بإذن من والي الجهة دون أن تكون للمندوب القدرة على الاعتراض.
و هذا الإطار الذي يجبر أحيانا على أن يقوم بدور المنظف ـ في ظل عدم وجود عملة ـ يتقاضى منحة إدارة لا تتجاوز الثلاثين دينار (إدارة وسكن ) يخجل موظف تونسيّ أن يستلمها. مع العلم أنّ وزارة الإشراف تملصت من صرف منح الإدارة لعشرات المديرين ولمدة فاقت الخمس سنوات، دون وجه حق و بتعلات واهية.
أما بقية المؤسسات المُحدثة لاحقا ضمن سياسة هامشية تعبويّة، مثل مؤسسة تنشيط الأحياء كثيفة السكان وحافلات الإعلامية.. فإنها ما زالت دون قانون وأدوارها غير واضحة، بل مهمشة.
أما التنشيط الريفي، فحدّث ولا حرج عن مخاطر الطريق وصعوبات التواصل، ومنح تنقل لا يمكن لأحد أن يثبت معناها ودواعي منحها (أسبوع تنقل، يمنح للإطار ثلاثة تنقلات فقط، وربما تجد خلاف ذلك في جهات أخرى).
و في كل مرّة تتكرّم الإدارة العامة للشباب ببرامج جديدة و وثائق لم تستقر على شكل منذ سنوات. وها حصلت الثورة التي ستجبر الإدارة على إعادة النظر في وثائقها وبرامجها وأنشطتها وربما مناشيرها. مع اعتذار سلك التفقد عن كل الأخطاء التي حصلت من قبلهم (بعضهم) تجاه الإطار التربوي، مع ضرورة قيامهم بأدوارهم في كنف الشفافية والعدل والمساواة بين الجهات والمؤسسات والإطارات.
فإضافة إلى كون بعض الجهات تبقى دون متفقدين لمدة طويلة، فإن حضور بعضهم لا يضيف شيئا، بل يدعم المحاباة والمحسوبية في إسناد الأعداد أثناء زيارات التفقد.
من ذلك أنّ بعض الإطارات لم تسند لها أعداد منذ ما يزيد عن ثماني سنوات، وهذا يستدعي ردّ الاعتبار لهؤلاء الإطارات. مع العلم أنه ثمة منشور يجبر المتفقد على منح الإطار عددا كل سنتين ( منشور عدد 2 بتاريخ 15 جانفي 2005)
إنّ هذا القطاع الذي ارتبط بسياسة بن علي وترعرع في أحضان حزبه البائد، وجد نفسه الآن أمام دهشة الثورة وتحولاتها.و لم يجد إطاراته ذرة كرامة كي يطالبوا يحتجّوا و ينددوا... لأنهم لا زالوا تحد تأثير الصدمة. وأن الشباب الذي كانوا يؤطرونه ليس إلا خدم التجمع وأبناء الشباب الدستوري وبعض المنظمات الموالية. لهذا لا بدّ من تفعيل مشروع القانون الأساسي المطروح منذ سنوات وإخراجه إلى النور، حتى يتهيكل هذا القطاع، ويعمل في ظل الشرعية بعيدا عن التهميش وسياسة الإرباك.



المهدي عثمان